رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الزمالك.. متغيرات المكان وتحولات التاريخ «1-2»


إطلاق اسم «الزمالك» على هذه المنطقة ربما جاء فى القرن التاسع عشر مع استقرار بعض الحرس فى المنطقة ونصبهم خيامًا على شكل «زملك» أى كوخ
يعتبر حى الزمالك من أبرز أحياء القاهرة وأكثرها شهرة فى ذاكرة المصريين، إذ ارتبط الحى دائمًا بمظاهر الفخامة والأرستقراطية والشياكة النسائية، وربما تم التعبير عن ذلك فى العديد من الأفلام والروايات، لعل من أشهرها فيلم «جريمة فى الحى الهادى»، الذى تتمحور قصته حول جريمة اغتيال اللورد موين على يد جماعات إرهابية صهيونية، ويُلاحظ هنا صفة الحى «الهادى» بالنسبة للزمالك، فهو حى القصور والفيلات- آنذاك- وحى الأرستقراطية الأجنبية والمصرية.
كما تم التعرض لطبيعة العلاقة بين حى بولاق وحى الزمالك، اللذين كان لا يفصل بينهما سوى كوبرى أبوالعلا، المأسوف على شبابه، لكن فى الحقيقة كان التمايز الطبقى هو السمة الواضحة فى طبيعة العلاقة بينهما، فما هى قصة هذا الحى العجيب، الذى للأسف يكاد يفقد الآن جُلّ تاريخه؟
يؤكد «فتحى حافظ الحديدى»، وهو من أهم مؤرخى القاهرة، أن ما يُعرف الآن بمنطقة الزمالك هو وليد اضطراب وعدم استقرار حركة النيل عبر العصور، إذ أدى مد وجزر النيل إلى ظهور عدة جزر فى المنطقة، والمثير للدهشة أن إحدى هذه الجزر كانت تُسمى «جزيرة حليمة»! وفى كتاب «وصف مصر» سُميت المنطقة «جزيرة بولاق»!
ويرى البعض أن إطلاق اسم «الزمالك» على هذه المنطقة ربما جاء فى القرن التاسع عشر مع استقرار بعض الحرس فى المنطقة ونصبهم خيامًا على شكل «زملك» أى كوخ أو عشة باللغة الألبانية.
وهناك محطات رئيسية فى حركة عمران هذا الجزء المهجور، الذى سُمى «الزمالك»، لعل أهمها بناء الخديو إسماعيل قصره الشهير لإقامة «أوجينى» أثناء افتتاح قناة السويس فى عام ١٨٦٩، هذا القصر الذى أُطلِق عليه بعد ذلك اسم «عمر الخيام» وتحول إلى فندق شهير، ثم تغير اسمه الآن إلى فندق «ماريوت»، وعندما أرادت مصر الناصرية بعد هزيمة ٦٧، وفى عهد أشهر وزير ثقافة، الاحتفال بألفية القاهرة فى عام ١٩٦٩، اختارت قصر عمر الخيام المهيب مكانًا للاحتفال، والمثير أن هذا التاريخ توافق أيضًا مع مرور مائة عام على نزول الإمبراطورة «أوجينى» فيه.
ومن المحطات الهامة الأخرى فى نمو العمران فى الزمالك، إنشاء كوبرى قصر النيل فى عام ١٨٨٢، وتلا ذلك فى عام ١٨٧٧ إنشاء الكوبرى الصغير المسمى الآن «كوبرى الجلاء»، وهكذا تم ربط الجزيرة والزمالك ببقية أحياء القاهرة، لا سيما أحياء وسط البلد.
ومن التحولات الهامة فى تاريخ الزمالك إنشاء نادى الجزيرة فى عام ١٨٨٣، ويرصد المؤرخ الفرنسى الشهير «آندريه ريمون» فى كتابه «القاهرة.. تاريخ حاضرة»، إثر إنشاء النادى على التحولات الاجتماعية والسياسية لمنطقة الزمالك قائلًا:
«عبرت الأحياء الراقية نهر النيل لكى تنتشر فى الزمالك فى شمالى الحدائق وحلبة سباق الخيل وأراضى نادى الجزيرة الرياضى، الذى أسسه الإنجليز، من أجل رفاهية أجسامهم وراحة معنوياتهم، ولم يتم قبول المصريين العاديين كأعضاء فى هذا النادى إلا بعد معارك طويلة، ولم يكسب المصريون هذه المعركة نهائيًا إلا مع الحرب العالمية الثانية، وقد كان أعضاء النادى القدامى لا يزالون حتى بعد ثورة ١٩٥٢ يتحسرون على الجنة المفقودة، ويحزنون لأنهم لم يعودوا يعيشون بين عشيرتهم».
الجدير بالذكر أن ثورة ٢٣ يوليو اقتطعت مساحة كبيرة من أراضى النادى لإقامة مركز شباب الجزيرة الذى فتحته للجماهير.