رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

باكستان.. ويومان أسودان



وجبة إفطار لم يكتمل إعدادها، كما تقول الرواية الرسمية، قتلت سبعين على الأقل، حرقًا، أو نتيجة ارتطامهم بالأرض خلال محاولتهم القفز من القطار المسرع هربًا من ألسنة اللهب. والرقم فى تزايد، طبقًا لتصريحات باقر حسين، المسئول بقطاع الإغاثة الباكستانى، الذى أكد أنهم ما زالوا ينتشلون مزيدًا من الجثث بعد إخماد الحريق.
لقطات الفيديو أظهرت النيران وهى تنتقل من عربة إلى عربة فى القطار الذى انطلق من مدينة كراتشى بجنوب باكستان، صباح أمس الخميس، وانفجرت فيه أسطوانة غاز أثناء تحضير بعض الركاب وجبة إفطار. وحتى كتابة هذه السطور يواصل رجال الإنقاذ، بمشاركة الجيش الباكستانى، البحث فى الأنقاض المتفحمة عن ناجين أو ضحايا، فى العربات المحترقة، التى كان على متنها ٢٠٠ راكب، معظمهم من أعضاء جماعة دعوية إسلامية، كانوا فى طريقهم للمشاركة فى احتفال دينى بالقرب من مدينة لاهور!.
الرئيس الباكستانى، عارف علوى، وعمران خان، رئيس الوزراء، أصدرا بيانين أعربا فيهما عن حزنهما الشديد، وتعهدا بمحاسبة المسئولين عن تلك المأساة. ونقلت وكالة الأنباء الألمانية عن الشيخ رشيد أحمد، وزير السكك الحديدية الباكستانى، أنه تم فتح تحقيق لمعرفة كيفية وصول أسطوانة الغاز إلى القطار بالمخالفة للقواعد التى تحظر ذلك.
أمس الخميس، إذن، يستحق أن يكون هو يوم باكستان الأسود، بدلًا من يوم «٢٧ أكتوبر»، الذى تحييه سنويًا ضد ما تصفه بذكرى احتلال القوات الهندية لإقليم كشمير. والذى جعلنا نشاهد، الأحد الماضى، عمران خان، يتوعد ويهدد بالقتال، فى مقطع فيديو بثته القنوات التليفزيونية الباكستانية العامة والخاصة. كما جعلنا، أيضًا، نضرب كفًا بكف، حين أعلنت الخارجية الباكستانية، فى اليوم نفسه، أن السلطات رفضت السماح لطائرة رئيس الوزراء الهندى، ناريندرا مودى، بعبور مجالها الجوى، خلال توجهه إلى العاصمة السعودية الرياض، للمشاركة فى مؤتمر دافوس الصحراء!.
حوادث القطارات شائعة فى باكستان، بسبب ضعف أنظمة السلامة والأمن وتجاهل قواعد السلامة، ولكن أيضًا لأن الإرهابيين يقومون بتفجيرات فيها تودى بحياة المئات سنويًا. وأضف إلى ذلك، أن قضبان السكك الحديدية منذ سنة ١٩٤٧، أى منذ تأسيس الدولة، التى كانت صنيعة المحتل الإنجليزى لإحداث انشقاقات فى جبهة كفاح الشعوب ضد الاستعمار، وخلق حالة عداء دائمة، متبادلة، بين الهندوس والمسلمين. ومع تقسيم الهند وقيام دولة باكستان سنة ١٩٤٧، كان النزاع بشأن إقليم كشمير. الذى جعل الدولتين على حافة الحرب. وليس متوقعًا أن ينهى قريبًا ذلك النزاع الفيلم الهندى الباكستانى الطويل.
بين اليوم الأسود المزعوم، الذى تم إحياؤه الأحد الماضى. ويوم أمس الأسود، فعلًا، يطل التاريخ برأسه، ليذكّرنا بأن البريطانيين، الذين أسسوا جماعة «الإخوان» فى محافظة الإسماعيلية، سنة ١٩٢٨، أسسوا أيضًا، «الجماعة الإسلامية» فى إقليم البنجاب، سنة ١٩٤١، واختاروا أبوالأعلى المودودى أميرًا لها، وكان أبرز أهداف تلك الجماعة هو إحياء دولة الخلافة الإسلامية. وبانقسام شبه القارة الهندية، اختار «المودودى» الانتقال إلى باكستان التى كان يصفها بأنها «دولة للمسلمين وليست دولة للإسلام»، لأنه كان يستهدف أسلمة الهند كلها، وصولًا إلى أستاذية العالم كله. وبين تأسيس التنظيمين الإرهابيين، وبعدهما، لم يتوقف توالد الجماعات والتنظيمات التكفيرية «أو الإرهابية» فى باكستان، وخارجها، بدعم رسمى، معلن أحيانًا وخفى غالبًا.
بهذا الشكل، بدا طبيعيًا وعاديًا أن تكون باكستان هى أول دولة فى العالم تعترف بنظام «طالبان» حين استولى على حكم أفغانستان بين ١٩٩٦ و٢٠٠١، قبل أن تطيح به الولايات المتحدة بعد اعتداءات ١١ سبتمبر. لكن غير الطبيعى وغير العادى، هو أن تلعب إسلام آباد والدوحة دورًا فى المفاوضات التى جرت منذ سنة بين واشنطن والحركة الإرهابية. وهى المفاوضات التى كادت تنتهى بتوقيع اتفاق تسحب واشنطن بموجبه قواتها فى أفغانستان، مقابل تقديم الحركة لضمانات أمنية. ثم قام الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، بإلغاء اجتماع بين الحكومة الأفغانية وممثلى الحركة، كان مقررًا أن تستضيفه الولايات المتحدة فى سبتمبر الماضى. وأعلن أن المفاوضات باتت فى حكم «الميتة»، مبررًا قراره بمقتل جدى أمريكى فى هجوم شنته الحركة فى كابول.
.. وتبقى الإشارة إلى أن الحكومة الباكستانية، استقبلت، فى ٣ أكتوبر المنصرم، مجموعة من مسئولى «حركة طالبان»، أبرزهم «الملا» عبدالله غنى بارادار الذى شارك فى تأسيس طالبان، وأمضى ثمانى سنوات فى السجون الباكستانية. وكان لافتًا أن تنشر صحف حكومية باكستانية صورة يقوم فيها شاه محمود قرشى، وزير الخارجية، بمعانقة «بارادار». وطبقًا للبيان الذى أصدرته الوزارة، فقد التقى «الملا بارادار» والوفد المرافق له، أيضًا، الجنرال فايز حميد، رئيس وكالة المخابرات العسكرية الباكستانية، التى تتهمها دول عديدة، بينها الولايات المتحدة وأفغانستان والهند، بدعم الإرهابيين.