رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ثم استقال الحريرى


من مقر إقامته الرسمى فى العاصمة اللبنانية بيروت، وفى تمام الساعة الرابعة عصر أمس الثلاثاء، بالتوقيت المحلى، وهو نفسه توقيت القاهرة، أعلن سعد الحريرى عن استقالته من رئاسة الحكومة، بينما لا تزال الاحتجاجات تجتاح البلاد للأسبوع الثانى، ولا يزال سقف مطالبها يستهدف الطبقة السياسية بأكملها.
«أضع استقالتى بتصرف رئيس الجمهورية».. «المناصب بتروح وبتيجى والمهم كرامة وسلامة البلد».. «لا أحد أكبر من بلده».. وفى كلمته المباشرة والمقتضبة، أوضح الحريرى أن الاستقالة جاءت استجابة لمطالب الشعب اللبنانى، الذى ينتظر منذ ١٣ يومًا قرارًا بحل سياسى يوقف التدهور. مؤكدًا أنه حاول خلال هذه الفترة أن يجد مخرجًا لحماية البلاد «من المخاطر الأمنية والاقتصادية والمعيشية»، لكنه وصل إلى طريق مسدود.
أنصار «حزب الله» و«حركة أمل» استبقوا إعلان استقالة رئيس الحكومة بالاشتباك مع متظاهرين عند حاجز طريق فى بيروت، قاموا بفك خيامهم، وهم يرددون هتافات مؤيدة للأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصرالله، ورئيس البرلمان، نبيه برى، رئيس «حركة أمل». ولم تكن تلك هى المرة الأولى التى يقتحم فيها أنصار الميليشيات مواقع اعتصام المتظاهرين، إذ سبق أن اقتحموا، الجمعة، ساحة رياض الصلح، وسط بيروت، وهم يرتدون القمصان السوداء، الزى المميز لـ«حزب الله»، وهتفوا «لبيك، نصرالله». بالتزامن مع الظهور الثانى لزعيمهم، خلال الاحتجاجات، محذرًا من «حرب أهلية»، وملوحًا بأن ميليشياته هى «الطرف الأقوى»!.
فى ظهوره الثانى، قال زعيم «حزب الله» الموالى لإيران، إنه لا يقبل «إسقاط العهد»، ولا يؤيد استقالة الحكومة، ولا يقبل الآن بانتخابات نيابية مبكرة. بينما كان المتظاهرون، وما زالوا، يؤكدون أنهم مستمرون دون أى انقطاع حتى ترحل الطبقة الحاكمة بالكامل. وطالبوا بتشكيل حكومة إنقاذ مستقلة ذات صلاحيات استثنائية، من خارج المنظومة الحاكمة. وعليه، سادت أجواء احتفالية بين المتظاهرين، فور إعلان الحريرى عن استقالة حكومته التى يقولون إنها فشلت فى معالجة الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها البلاد.
الواقع يقول إنه لا حل للأزمة الاقتصادية، أو غيرها، فى ظل غياب الدولة «أو تغييبها» لصالح منظومة، دفعتها إلى صراعات لا دخل لها فيها. والإشارة هنا مهمة إلى أن روزمارى ديكارلو، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشئون السياسية وبناء السلام، كانت قد زارت لبنان، منذ أيام، وأجرت محادثات مع كبار مسئوليها تناولت الوضع الاقتصادى الذى بلا شك يُعد الأكثر أهمية، لكنها ركزت أيضًا على «تفكيك سلاح الميليشيات ووقف الانتهاكات لسيادة الدولة».
دون مواربة، نقول إن الأمم المتحدة و«مجموعة الدعم الدولية للبنان» لا تريد أى دور لحزب الله. والأرجح أنها تدعم الحريرى الذى عقد لقاءات، خلال الأيام الماضية، مع سفراء الولايات المتحدة، روسيا، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، الاتحاد الأوروبى، القائم بالأعمال الصينى، وممثل جامعة الدول العربية السفير عبدالرحمن الصلح، ويان كوبيش، المنسق الخاص للأمم المتحدة فى لبنان. ومن الأخير عرفنا أن الحريرى أطلع السفراء على «جديّة الإجراءات التى طال انتظارها والتى اتخذتها الحكومة». ومن مصادر أخرى، غير كوبيش، عرفنا أن دولًا عربية وأجنبية صديقة للبنان نصحت الحريرى بعدم الاستقالة. ولعلك تتذكر أننا سبق أن طالبنا بانتقال سلس للسلطة، يراعى أوضاع البلاد التى لا تحتمل استمرار حالة الشلل التام التى تعيشها الآن.
الكرة الآن صارت فى ملعب الرئيس اللبنانى، الذى سيعيد، غالبًا، تكليف الحريرى، بتشكيل حكومة مصغرة، متوافقة أو منسجمة، كما اقترح البعض، وقد يحدث الاحتمال الضعيف ويتم تكليف آخر. وفى الحالتين، نرى أن تلك الحكومة، أو أى حكومة لاحقة، لن تتمكن من مواجهة الأزمات الحالية، والمتراكمة، إلا بإجراءات جذرية وحاسمة، أولها إلغاء قاعدة التمثيل الطائفى، التى كان من المفترض إلغاؤها خلال «فترة انتقالية»، بدأت سنة ١٩٨٩، مع توقيع «اتفاق الطائف». كما أن فك تعقيد الأزمة، يبدو مستحيلًا، ما لم يتم حل جميع الميليشيات المسلحة، وهو ما كان من المفترض أن يحدث خلال ستة أشهر، بدأ عدها مع التصديق على وثيقة الوفاق الوطنى، فى ٥ نوفمبر من ذلك العام، أى منذ ثلاثين سنة!.
وتبقى الإشارة إلى أن الدولة الشقيقة كانت قد حصلت على تعهدات، فى أبريل ٢٠١٨، بمساعدات قيمتها ١١٫٦ مليار دولار، خلال مؤتمر للمانحين استضافته العاصمة الفرنسية باريس: مؤتمر «سيدر». لكنها لم تحصل على أى دفعات من هذا المبلغ، إلى الآن، لأن حكومات الدول المانحة، تريد أولًا أن ترى إصلاحات هيكلية، وتريد ثانيًا، وغالبًا، أن يتم حل معضلة «حزب الله» المشارك فى الحكم، مع أنه مدرج على قوائم الكيانات الإرهابية فى دول عديدة، وتسببت العقوبات الأمريكية المفروضة عليه فى جانب كبير من معاناة لبنان الاقتصادية.