رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حكايات صلاح السعدني على مقاهي القاهرة.. «هنا ولد المثقف الكبير»

صلاح السعدني
صلاح السعدني

كانت لمقهى "محمد عبدالله" بميدان الجيزة، تأثير كبير على حياة الفنان الكبير صلاح السعدني، فكان يعتبرها بمثابة ساحة للإبداع والثقافة، فهناك التقى بعدد كبير من أدباء الخمسينيات والستينيات، حيث كان يصطحبه أخوه الأكبر الكاتب الصحفي الراحل محمود السعدني، الذي تأثر به خلال مراحل حياته المتقدمة، لكنه شق طريقًا آخر وهو التمثيل لعشقه للفن.
"أن تكون مثقفًا موهوبًا.. خير من أن تكون نجمًا أحمق".. هكذا يظهر منهج الفنان صلاح السعدني في موهبته الضخمة ومسيرته الفنية الفذة، فمنذ صغره وهو يعتبر أخاه مثله الأعلى وكان دائمًا ما يردد قائلًا "إن محمود أبي الذي لم تلده جدتي"، ويرافقه مع أصدقائه من كبار الأدباء المثقفين أمثال كامل الشناوي وزكريا الحجاوي ونعمان عاشور وألفريد فرج وعبدالرحمن الخميسي وغيرهم.
عبر مقهى "متاتيا" الكائن بميدان العتبة، و"محمد عبدالله" بالجيزة، شهد صلاح السعدني معارك ثقافية عديدة، كان لها أثر كبير عليه، فقد وجد ضالته بها، في البداية بالقراءة والاطلاع، وقرر أن يفصح عن موهبته ورغبته في دخول مجال التمثيل، وبالفعل التحق بمسرح كلية الزراعة حيث كان طالبًا بها، وكان الفنان عادل إمام هو رئيس فريق التمثيل حينها، ورافقه الراحل سعيد صالح من مسرح كلية الآداب.
كان "السعدني" مدركًا جيدًا لضرورة أن يكون الممثل على وعي تام بكل ما يحدث حوله، وليس كافيًا أن يملك موهبة أو مهارات في الأداء، كما كان معروفًا بأنه فنان مثقف يختلف عن غيره من أبناء جيله، فقد كان يقضي ساعات طويلة في غرفة مكتبه، للقراءة والكتابة، فهو لديه مكتبة مليئة بالكتب والمؤلفات في مختلف التخصصات والمجالات، ولا يهتم بالظهور في المناسبات الفنية أو غيرها.
كانت لدى صلاح السعدني ميول للكتابة الأدبية، لكنها تحولت إلى هواية فقط، نظرًا لتكريس حياته لأكثر من نصف قرن للتمثيل، وكان له دور في تحويل رواية "الوتد" للكاتب الراحل خيري شلبي إلى عمل تليفزيوني، فقد كان يدرك ضرورة أن تقترن الدراما الجيدة بأدب جيد، فقد كان يختار أعماله بدقة شديدة وظهر ذلك جليًا في الدراما مع روائع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة «ليالي الحلمية» و«أرابيسك» التي تعد من أكثر المسلسلات شعبية في مصر والشرق الأوسط، وجسد أبطال روايات نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس، وحل ضيفًا في المسرح وخاصة بأعمال كل من نعمان عاشور، ألفريد فرج، سعد الله ونوس، ونجيب سرور.
وفي أحد حواراته، قال "السعدني": أؤمن بأن للفن وظيفة اجتماعية، وأعي تمامًا هذا الدور، وبالتالي فإن اختياراتي نابعة من هذا الوعي، فأنا لست "أراجوز" ولا مهرجًا في سيرك، فكان لا ينظر إلى الفن على أنه "أكل عيش" بل رسالة سامية يرغب في تقديمها بالمجتمع.
ففي النصف الأول من الستينيات وبالتحديد عام 1960، كانت بداية ظهور الفنان صلاح السعدني في التليفزيون بمسلسل "الرحيل"، وظهر من جديد بعد غياب 4 سنوات بمسلسل "الضحية"، وازدادت أعماله في سبعينيات القرن الماضي وشارك في عدد كبير من الأعمال السينمائية.
ورغم أصول صلاح السعدني الريفية، إلا أنه منذ مولده في 23 أكتوبر لعام 1943، عاش طفولته وصباه بحي المنيرة بالقاهرة.