رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

غزو سوريا.. كلهم يلعبون


انتهت الهدنة التى أعلن عنها نائب الرئيس الأمريكى، مايك بنس، عقب اجتماعه بالرئيس التركى. وصاحب انتهاءها تهديد من مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكى، بأن الرئيس دونالد ترامب قد يستخدم القوة العسكرية ضد تركيا «إذا لزم الأمر». وعلى وقع هذه النكتة، انعقدت، الثلاثاء، القمة الروسية التركية.
العدوان التركى، الذى توقف لمدة خمسة أيام انتهت مساء أمس الثلاثاء، ركز على بلدتى «تل أبيض» و«رأس العين»، اللتين تقعان تقريبًا فى منتصف الشريط الحدودى. وبينما قالت «قوات سوريا الديمقراطية»، التى يقودها الأكراد، يوم الأحد، إنها انسحبت من رأس العين، أكدت تركيا أنها أصبحت تسيطر على البلدة الأخرى، تل أبيض. وعلى مسافة أبعد إلى الغرب، تنتشر القوات السورية والروسية فى مدينتى منبج وكوبانى الحدوديتين، وكلتاهما تقعان داخل «المنطقة الآمنة» التى حددتها تركيا.
فى مقابلة مسجلة عرضتها قناة «سى إن بى سى» يوم الإثنين، قال بومبيو «نحن نفضل السلام على الحرب. لكن فى حالة الحاجة إلى تحرك أو عمل عسكرى، يجب أن تعلم أن الرئيس ترامب مستعد تمامًا للقيام بهذا العمل». غير أن هذا التهديد لم يكن له أى أثر فى تصريحات ترامب، الذى اكتفى فى اليوم نفسه، بالتلويح بأنه «إذا تصرفت تركيا بطريقة خاطئة، سأفرض رسومًا جمركية على منتجاتها». ومع أن الرئيس الأمريكى قال مجددًا إنه لا يريد أن يترك قوات أمريكية فى سوريا، إلا أنه تراجع خطوة إلى الوراء بإشارته إلى بقاء عدد محدود من الجنود لحماية آبار النفط وحقول الغاز، وبعضهم الآخر سينتشر على الحدود مع الأردن.
المعنى نفسه أكده مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكى. وأعلن من أفغانستان، التى زارها الأحد، فى محاولة لإعادة المفاوضات مع حركة طالبان الإرهابية، أن إبقاء بعض القوات قرب آبار النفط وحقول الغاز فى سوريا أمر ممكن لضمان عدم سيطرة تنظيم داعش أو جهات أخرى «ربما يقصد الجيش العربى السورى» على إيرادات تلك الحقول، مشيرًا إلى أن هناك مناقشات جرت بهذا الشأن، لكن لم يتم اتخاذ القرار فيما يتعلق بالأعداد وما إلى ذلك. والإشارة هنا مهمة إلى أن منطقة شرق الفرات تحتوى على ٩٠٪ من نفط سوريا ونحو نصف الغاز.
العبث الأمريكى قابله لعب روسى أو على الأقل غموض فى موقف موسكو التى تعززت علاقاتها مع أنقرة بمشروعات الطاقة المشتركة، وشراء تركيا لأنظمة دفاعات جوية روسية، الأمر الذى أثار غضب الولايات المتحدة، حليفة أنقرة فى حلف شمال الأطلسى. ومن المفارقات أن يوم الخميس الماضى، الذى شهد لقاء أردوغان مع نائب الرئيس الأمريكى، شهد أيضًا اجتماع ألكسندر لافرنتييف، مبعوث روسيا إلى سوريا مع مستشار أردوغان للأمن القومى. وفى اليوم التالى، ذكرت وسائل إعلام سورية أن لافرنتييف التقى الرئيس السورى بشار الأسد فى دمشق، دون أن توضح ما إذا كان قد نقل رسالة من أنقرة أم لا؟!.
الرئيسان الروسى والتركى اجتمعا فى منتجع سوتشى المطل على البحر الأسود فى محادثات من المحتمل أن تحدد ملامح الخطوات المقبلة فى شمال شرق سوريا. وقبل اللقاء، نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مسئولين أتراك أن الجانبين، التركى والسورى، أقاما قنوات اتصال سواء عسكرية ومخابراتية مباشرة أو غير مباشرة عبر روسيا للحد من خطر المواجهة العسكرية. كما كانت بثينة شعبان، مستشارة الرئيس السورى، قد أعلنت قبل أيام عن وجود توجه روسى لعقد لقاء أمنى بين سوريا وتركيا. لكن سيرجى لافروف، وزير الخارجية الروسى، نفى وجود تخطيط لمثل هذا اللقاء. وفى المؤتمر الصحفى الذى عقده، الإثنين، مع نظيرته البلغارية، إيكترينا زاهاريفا، أشار إلى أن الحوارات التركية السورية قد تتعلق فقط باتفاقية أضنة.
هناك تأكيدات بأن نسخة جديدة من «اتفاق أضنة»، كانت على طاولة الرئيسين الروسى والتركى، قيل إنها ستكون بديلًا للتفاهمات الأمريكية- التركية فى شمال شرقى سوريا. إذ كانت النسخة القديمة من الاتفاقية الموقعة بين سوريا وتركيا، سنة ١٩٩٨، تسمح للجيش التركى بالتوغل بعمق ٥ كيلومترات، بينما تطالب أنقرة بـ«منطقة آمنة» بعمق ٣٢ كيلومترًا. ما يعنى أن موسكو، بموافقة دمشق أو دونها، قد تمنح أنقرة قدرة على التحرك لمساحات أوسع فى عمق الأراضى السورية!.
أخيرًا، بات فى حكم المؤكد أن تركيا دعمت «وتدعم» الإرهابيين فى سوريا وفى وغيرها. وفى وجود اتصالات، سابقة أو لاحقة، مع النظام السورى، لا يمكن لعاقل إلا أن يشم روائح كريهة، خاصة بعد أن خفتت لهجة موسكو التحذيرية من عواقب العدوان التركى، وتحولت إلى إشارات بشأن الرؤية الروسية لتسوية الوضع فى المنطقة الحدودية. وكل عدوان وأنتم بخير!.