رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وبعد أن تكلم نصرالله



تكلم سعد الحريرى، مساء الجمعة، ثم تكلم حسن نصرالله، صباح السبت. فأمهل الأول خصومه السياسيين ٧٢ ساعة للاتفاق على حلول للأزمة الاقتصادية. وهدّد الثانى الداعين إلى استقالة الحكومة، وحّذر من تبعات ذلك. وكما لم ننتظر كلمة الحريرى، أمس، لنستنتج أنها لن تقدم أو تؤخر، نقول اليوم إن الشىء نفسه ينسحب على كلمة زعيم حزب الله.
قاد الحريرى حكومتين لـ«الوحدة الوطنية» منذ سنة ٢٠١٦، ضمتا خصومًا سياسيين وشخصيين. كما كان رئيسًا للحكومة، فى يناير ٢٠١١، حين دخل إلى لقاء الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، وقبل أن يخرج من اللقاء تلقى «طعنة فى الظهر»، بإعلان ١١ وزيرًا «من ٣٠» استقالاتهم، هم وزراء حزب الله وحلفاؤه، وبالتالى صارت الحكومة، التى تم تشكيلها فى نوفمبر ٢٠٠٩، فى حكم المستقيلة باستقالة ثلث عدد الوزراء زائد واحد.
استقالة عصابة الـ١١ تم إعلانها من مكتب ميشال عون «الرئيس الحالى»، وكان جبران باسيل، صهره ووزير الخارجية الحالى، هو من أعلنها وتلا نصها. وعليه، نظرنا إلى تلك الاستقالة باعتبارها حلقة جديدة فى مسلسل صراع إقليمى، لا يزال مستمرًا، وتسبب فى تردى الأوضاع السياسية، وصولًا إلى تعثر تشكيل الحكومة الحالية لنحو ستة أشهر، انتهت بتشكيل تلك الحكومة العجيبة التى يسيطر فيها «حزب الله» على ٦ وزارات، ولن أوجع دماغك بباقى الحصص أو «التقسيمة»، مكتفيًا بالإشارة إلى أن ذلك الكيان تم إدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجى والولايات المتحدة و... و... إلخ.
غير هذه الوزارات، ووزرائها الستة، هناك أيضًا وزراء فى الحكومة يجاهرون بانتمائهم، ولائهم، أو تبعيتهم، لدول أو محاور أخرى تتخذهم مطايا لبسط نفوذها وسيطرتها على لبنان، وتحاول استخدامهم، أو استعمالهم، لتمديد ذلك النفوذ وتلك السيطرة، إلى دول أخرى فى المنطقة. والفرق كبير، كبير جدًا، بين انتمائهم الدينى أو المذهبى واعتزازهم بأصولهم وعِرقهم أو بدولة يحملون جنسيتها، وبين أن يكون الولاء للدين، المذهب، أو لدولة «أى دولة» مقدمًا على ولائهم للدولة الأم التى وُلدوا بها ويشغلون فيها مواقع تنفيذية رفيعة.
والوضع كذلك، قلنا ونكرر إن الحكومة الحالية، أو أى حكومة لاحقة، لن تتمكن من مواجهة الأزمات الحالية، والمتراكمة، إلا بإجراءات جذرية وحاسمة، لا نتوقع أن ترضى عنها بعض القوى السياسية، وغير السياسية، التى تستطيع تحريك أو إشعال الشارع، وتحكم قبضتها على كثير من مفاصل الدولة. كما أن حل أى مشكلة فى لبنان، أو فك تعقيد أى أزمة فيها، يبدو مستحيلًا ما لم يتم إلغاء قاعدة التمثيل الطائفى، التى كان من المفترض إلغاؤها خلال «فترة انتقالية»، بدأت سنة ١٩٨٩، مع توقيع «اتفاق الطائف» ولم تنته إلى الآن!.
بموجب هذه القاعدة، تتوزع مقاعد البرلمان بالتساوى بين المسيحيين والمسلمين.. ونسبيًا بين طوائف كلتا الفئتين.. ونسبيًا بين المناطق. كما نص اتفاق الطائف أو وثيقة الوفاق الوطنى، على أن يكون رئيس المجلس منتميًا للطائفة الشيعية، وربما تضمنت الوثيقة شرطًا، غير مكتوب، بأن يكون اسمه نبيه برى، الذى احتفل بعيد ميلاده الـ٨١ فى ٢٨ يناير الماضى، ويرأس المجلس منذ سنة ١٩٩٢، وهو أيضًا رئيس المجلس الحالى!.
غير سلطة التشريع، وغير دوره الرقابى على أداء الحكومة وأعمالها، فإن مجلس النواب اللبنانى يتولى أيضًا انتخاب رئيس الجمهورية. وبسبب فشل نواب البرلمان المزمن، السابق، فى التوافق على رئيس للبلاد، عاش لبنان فراغًا رئاسيًا، لأكثر من عامين، منذ انتهاء ولاية الرئيس السابق العماد «اللواء» ميشال سليمان فى ٢٥ مايو ٢٠١٤، إلى ٣١ أكتوبر ٢٠١٦، واختيار العماد ميشال عون، الذى كان قائدًا للجيش اللبنانى ثم رئيسًا للحكومة العسكرية التى تشكلت فى سبتمبر ١٩٨٨، واحتفظ لنفسه فيها بوزارة الدفاع و٦ وزارات!.

تأسيسًا على ما سبق، يمكننا استخلاص أن أى مشكلة فى لبنان أو فك تعقيد أى أزمة فيها، مشروط بانتهاء المرحلة الانتقالية الطويلة، أو المزمنة، وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفى واعتماد الكفاءة والاختصاص فى الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقًا لمقتضيات الوفاق الوطنى. ونشير بالمرة إلى عدم انتهاء «الشهور الستة» التى بدأ عدها مع التصديق على وثيقة الوفاق الوطنى، فى ٥ نوفمبر ١٩٨٩، والتى كان من المفترض أن يتم خلالها حل جميع الميليشيات المسلحة.
.. أخيرًا، ومع استمرار تظاهرهم لليوم الثالث على التوالى، لا تبقى غير الإشارة إلى أن اللبنانيين وحدهم، هم المعنيون بالتوصل إلى الحلول التى يرتضونها ويرون أنها تحقق مصالحهم. وأن كل ما علينا هو النصيحة، إذا جاز لنا أن ننصح، بضرورة تجنب كل أشكال التوتر المذهبى والدينى، ورفض أى محاولات خارجية للتدخل فى شئونهم الداخلية.