رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قبل أن يتكلم الحريرى



تراجعت الحكومة اللبنانية، مساء الخميس، عن فرض الرسوم (أو الضرائب) على مكالمات تطبيقات التليفونات الذكية: واتساب وفيسبوك ماسنجر وغيرها. لكن شوارع الدولة الشقيقة لم تهدأ، واستمرت الاحتجاجات، لليوم الثانى على التوالى، وكان الشعار الأبرز الذى ردده المتظاهرون هو «الشعب يريد إسقاط النظام»!.
قرار فرض الرسوم، لم يكن أكثر من الشرارة التى أطلقت بركانًا من الغضب تسببت فيه أوضاع معيشية صعبة، سبق أن تظاهر اللبنانيون ضدها، فى ٢٩ سبتمبر الماضى. وربما زادت حدة الغضب وسخونته بعد الحرائق، غير المسبوقة التى اجتاحت عدة مناطق، منذ أيام، والتهمت مساحات خضراء كبيرة، ولم تتمكن السلطات من التعامل معها، نتيجة نقص فى الإمكانيات، واضطرت إلى طلب المساعدة من دول الجوار.
الغضب قد يشتعل أكثر وأكثر لو لم يتم قطع الطريق أمام أزمة أكثر عنفًا تتعلق برغيف الخبز، بعد أن أعلن «تجمع أصحاب المطاحن»، فى بيان، أن بيع الدقيق سيكون بالدولار، لأن التدابير، التى اتخذها مصرف لبنان لم يتم تعديلها لتلائم استيراد القمح. وهناك، أيضًا، مخاوف من عدم قدرة الدولة الشقيقة على سداد ديون اقتربت آجالها: ١.٥ مليار دولار فى نوفمبر المقبل، و٢.٥ مليار دولار فى النصف الأول من العام المقبل.
فى ثانى أيام الاحتجاجات، تم إغلاق البنوك والمدارس وبعض المؤسسات التجارية وانطلقت دعوات للإضراب العام. وكان من المقرر أن يعقد مجلس الوزراء اجتماعًا، بعد ظهر أمس، الجمعة، فى قصر بعبدا (القصر الجمهوري) لكن تم إلغاء الاجتماع. ومن المفترض أن يكون سعد الحريرى قد ألقى كلمة خلال الساعات الفاصلة بين كتابة هذه السطور وقراءتك لها، لا نتوقع أن يستجيب فيها لدعوة سمير جعجع، رئيس حزب القوات اللبنانية، لتقديم استقالته «نظرًا لفشل الحكومة الذريع فى وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فى البلاد».
لم ينكر «جعجع»، فى بيانه، «الجهود التى بذلها الحريرى فى سبيل استدراك الوضع» لكنه وصف غالبية وزراء الحكومة بأنهم كانوا «فى مكان آخر». ورأى أن أفضل ما يمكن أن يقدمه الحريرى فى هذه اللحظات الحرجة والعصيبة هو تقديم استقالة الحكومة «تمهيدًا لتشكيل حكومة أخرى مختلفة تمامًا وجديدة تمامًا تستطيع قيادة عملية النهوض الاقتصادى فى البلد».
لا نتوقع أن يستجيب الحريرى لتلك الدعوة أو لغيرها، لعدة أسباب أهمها أنه كان قد أكد، أول أيام هذا الشهر، أنه سيستمر فى العمل ولن يتوقف «مهما قالوا أو كتبوا أو فعلوا». وخلال ترؤسه اجتماع «اللجنة الفنية لتنسيق الخدمات الضرورية فى المحافظات» قال بوضوح: «إذا كان البعض يعتقد أن الموضوع يتعلق بسعد الحريرى فليأتِ شخص آخر، ولكن المشكلة ليست هنا، بل فى إيجاد حلول اقتصادية ونقطة على السطر». ووقتها كانت صحف ومواقع إلكترونية لبنانية عديدة، قد نسبت إلى مصادر مقربة من قصر بعبدا «القصر الجمهورى» أن حل الأزمة المالية الحالية مرهون باستقالة الحكومة، غير أن المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية اللبنانية أكد، فى بيان، أن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة.
حكومة سعد الحريرى، أعلنت بداية الشهر الماضى «حالة الطوارئ الاقتصادية»، لكن الآمال تبدو ضعيفة فى أن تتمكن من حل الأزمة، التى نرى أنها بالغة التعقيد، مع وصول الدين العام اللبنانى إلى حوالى ١٥٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، ومع تباطؤ تدفقات الأموال الأجنبية، التى ظلت الدولة الشقيقة تعتمد عليها لسنوات طويلة، بسبب قيود أو عقوبات مالية، نتجت عن غياب الدولة «أو تغييبها» لصالح منظومة، دفعتها إلى صراعات لا دخل لها فيها.
الدولة الشقيقة كانت قد حصلت على تعهدات بمساعدات قيمتها ١١.٦ مليار دولار، فى مؤتمر للمانحين استضافته العاصمة الفرنسية باريس، فى أبريل ٢٠١٨: مؤتمر «سيدر». لكنها لم تحصل على أى دفعات من هذا المبلغ، إلى الآن، لأن حكومات الدول المانحة، تريد أولًا أن ترى إصلاحات هيكلية أبرزها محاربة الفساد وإصلاح قطاع الطاقة، وخفض العجز فى الموازنة. وربما تريد تلك الحكومات أيضًا أن يتم حل معضلة «حزب الله» الذى فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شخصيات تابعة له وعلى كيانات اقتصادية مرتبطة به.
باختصار، نحن أمام دولة مثقلة بالديون، تحاول أن تتغلب على أزماتها بالغة التعقيد، وسط محيط إقليمى مضطرب، وفى ظروف دولية ضاغطة. وعليه، لم ننتظر كلمة رئيس الوزراء اللبنانى، لأنها لن تقدم أو تؤخر، حتى لو تضمنت إعلان استقالة حكومته، لأن أى حكومة لاحقة لن تتمكن من مواجهة الأزمات الحالية، والمتراكمة، إلا بإجراءات جذرية وحاسمة، لا نتوقع أن ترضى عنها بعض القوى السياسية، وغير السياسية، التى تستطيع تحريك أو إشعال الشارع، وتحكم قبضتها على كثير من مفاصل الدولة.