رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنه تدين وهمى.. فناهضوه


ظاهرة باتت تتوطن وتتزايد، وهى التى تتعلق بإعلان البعض منا الذهاب إلى حالة التدين بمواصفاته وأشكاله المظهرية المغشوشة المتجددة والمتزايد انتشارها للأسف، ونسأل: فين العقل؟.. والتبعات لانتشار تلك الظاهرة وما يصاحبها معلومة، بشر ينتشر بينهم العديد من القيم والقناعات السلبية مثل «التواكل» والإيمان بفعل الخرافات والدجل وانتهازية المتاجرة السياسية والاقتصادية بآيات وأحكام وفتاوى أديان غير التى عرفناها منذ ولدنا بها ودخلنا بها المسجد أو الكنيسة.
لقد بتنا أمام حالة تدين وهمى بلا إدارة عاقلة واعية للقرارات الحياتية والسلوكية القادرة على الفهم أو التمييز، ومن ثم التوجيه بسماحة ورشاد وترفق بالناس، وكأن لم يعد أمام أى شخص مهدورة حقوقه أو مسلوبة إرادته، أو أى صاحب أحلام ضائعة سوى الانسحاق العميانى الكامل والذوبان المرضى العبثى فى ممارسات ظاهرها دينى، يرى صاحبها أنها تكفل له قناعة أنه متدين ومؤمن وصالح ليُصدر إلى من حوله مظاهر تلك الحالة، مع ما يغلفها من وسائل وأدوات «الشىء لزوم الشىء».. اللحية والرداء والسبحة و«علامة الصلاة» على الجبهة، والملصقات المميزة للرموز الدينية والكتب المقدسة فى أماكن ظاهرة داخل السيارات الخاصة والعامة، وحتى رفع بعضهم شعارات «مسلم وأفتخر» و«مسيحى وأفتخر» على صفحات الفيسبوك بعصبية مكروهة وشيفونية مرضية جاهلة ذميمة.
ولو كان ذلك الافتخار بالعقائد عند هؤلاء مقرونًا وداعمًا لفكرة أن الأديان تدعو للأخذ بأسباب العلم والجدية والإتقان ومحاربة الفساد، لكان الأمر متوافقًا ومقبولًا، أما أن يكون التدين عند هؤلاء تغطية لحالة من افتقاد القيم الإيجابية المطلوبة فى تلك المرحلة التى ينبغى أن تحتشد فيها كل الجهود لبناء الإنسان، فتلك كارثة ينبغى التصدى لها مجتمعيًا وإعلاميًا.
يقودنا الفهم الخاطئ للتدين إلى مصائب لا يدركها أدعياء التدين من فرط تدينهم الخاطئ، ولعل من المناسب التذكير بقصة الرجل الذى وقف فى الميدان وسط عشرات الناس، وهو يحلف أن الله سوف يمنحه جائزة اليانصيب الأولى ويربح مليون جنيه لينهى كل مشاكله، ظهرت نتيجة اليانصيب فى الشهر الأول ولم يكسب، لكنه لم ييأس ووقف فى نفس الميدان يقسم بأن الله لن يتخلى عنه وسوف يرزقه جائزة اليانصيب، لكنه لم يكسب أيضًا فى الشهر الثانى، كل شهر يقف الرجل الوقفة نفسها ويؤمِّن الأيمان نفسه أن الله لن يخذله أبدًا وسيكسب اليانصيب، لكن بعد سنة كان الأمل يتسرب منه واليأس يأكله، فوقف فى قلب الميدان يصرخ: كده يا رب تخذلنى ولا تقف معى ومتكسبنيش اليانصيب، لكن صوتًا ضخمًا انطلق من ميكروفون يخاطبه: يا أخى خوت اللى خلفونا، منين عايز ربنا يكسبك اليانصيب يا حمار وإنت مشترتش تذكرة أصلًا.
لقد بتنا نعيش بلا أدنى شك عصر التدين المغشوش الذى تاجر به البعض، وغيب عقل البعض الآخر، وأراح البعض الثالث بـ«النضال السياسى» غير المكلف عن طريق الدعاء والصلاة أمام الناس، وشاهدنا تدينًا لا هو أنتج ثورة على الفساد والرجعية، ولا مشروعًا حضاريًا وسياسيًا كان قد حول بلدًا مثل ماليزيا فى عشرين عامًا من التخلف إلى واحد من أهم اقتصاديات العالم. فهنيئًا لنا تديننا المغشوش وغيبوبتنا التى نخشى لو طالت أن تتحول إلى موات نهائى.
إن الوعى الوهمى والملتبس بالدين يذهب بنا إلى نوع من التدين الظاهرى الذى يشكل بديلًا عن الدين الحقيقى، وهذا التدين البديل مريح وخفيف، ولا يكلف جهدًا ولا ثمنًا، لأنه يحصر الدين فى الشعائر والمظاهر.
وعليه، قد يؤسس الفكر السلفى للأسف للتدين البديل الذى يريح الناس من تبعات اتخاذ موقف إيمانى حقيقى، من أجل تحقيق وانتهاج قيم العدل والسلام والرحمة والإخاء والإيثار وغيرها من القيم الإيجابية.