رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من فضلك وأشكرك.. مصطلحات راقية افتقدناها


تغير كثير من كلمات المصريين وسلوكياتهم اليومية، هذه حقيقة نراها يوميًا ونحسها جميعًا.. هناك قاموس كامل يضم كلمات كثيرة.. كادت تختفى من حياتنا.. كلمات راقية نشأنا عليها وتربينا عليها فى بيوتنا، وربّانا عليها أهلنا، وشاهدنا، وما زلنا نشاهد، هذه التعاملات والكلمات الراقية فى الأفلام القديمة، وأفلام الأبيض والأسود، وفى أفلام عمالقة الفن المصرى ورواده مثل: فاتن حمامة وماجدة وسعاد حسنى وعمر الشريف وليلى مراد وعماد حمدى ومديحة يسرى ونجيب الريحانى وشكرى سرحان ومريم فخرالدين وغيرهم من أبطال هذه الأعمال الرائعة، الذين جسدوا أرقى درجات السلوك والتعامل فى الحياة اليومية، وكان هذا الأسلوب الراقى فى الكلام والسلوك والتعامل هو أساس العلاقات فى المدن وفى الريف المصرى آنذاك.
كان من بين الأعراف والقيم فى حياتنا، احترام الكبير، سواء أكان ذلك للأم أو الأب أو الجد أو الجدة أو الأستاذ أو المعلم أو الجار أو الساعى أو العامل الذى يتعامل معنا، وكان من يريد تعلم قيادة سيارة- على سبيل المثال لا الحصر- أول مبدأ يتعلمه فى مدارس القيادة هو أن القيادة «فن وذوق وأخلاق»، قبل أن يقود أو ينزل إلى الشارع من منطلق أنها أصول التربية وأساس التعاملات وحسن السلوكيات.. الآن اختفى هذا تمامًا، وأصبح الشارع يعج بالفوضى والصوت العالى والبلطجة، كان الزوج يقدر ويحسن معاملة زوجته، خاصة أمام الأبناء، كما كانت الزوجة تحسن معاملة زوجها وتحرص على استقرار بيتها وتربية أبنائها أفضل ما يمكن.. أما اليوم فقد تغير شكل ومضمون التعاملات والكلمات.
صحيح أنه بعد الثورات يتغير شكل الحياة، ويأتى مسئولون جدد بنظم متغيرة، وصحيح أننا قد حدثت عندنا تغيرات كبرى ما بعد يناير ٢٠١١، وما صاحبها من فوضى ونشر للعنف والتشدد، وقلب الأمور رأسًا على عقب فى كل المجالات والمؤسسات لأهداف محددة، منها خطط دولية ممنهجة، ومنها مشعلو الحرائق فى الداخل، ومستخدمو العبارات الدينية المغلوطة لأسباب مغرضة أولها إضعاف الدولة المصرية، وخلخلة قيم المجتمع المصرى والأعراف والعادات المصرية، وتغيير شكل وزى المصريين، ومدارس وتعليم المصريين وطباع المصريين، وبث الكراهية بين الفئات الاجتماعية وبين المسلم والمسيحى، ودخلنا فى منعطف التأسلم واستخدام الدين لتغيير قاموس المصريين. وعندما نتحدث فى التليفون ونحن صغار، كنا نقول: «آلو وصباح الخير ومساء الخير وصباح الفل ومساء الفل».. الآن تم استبدال هذه الكلمات بالسلام عليكم، وكأننا ننطق كلمة حرام عندما نقول: صباح الخير.. كنا نقول عندما نوجه كلامنا طلبًا لأى شىء أو شراء سلعة: من فضلك، ولو سمحت، ولو ممكن.
الآن من يريد شيئًا يقولها بصيغة الأمر، وعند شراء سلعة تجد الزبون يقول للبائع: هات وناولنى. لقد اختفت كلمة «من فضلك» تمامًا، باستثناء قلة قليلة جدًا لا تزال تتمسك بأصول الكلام والرقى والذوق، وكنا نقول لأى خدمة صغيرة لمن يقدمها لنا: شكرًا، وألف شكر، وتسلم، وربنا يخليك.
وكان الذى يتحلى بالأخلاق يعتبر شخصًا ناجحًا اجتماعيًا، وكان المهذب يعتبر متميزًا، ويرجع المجتمع الفضل فى تهذيبه إلى أسرته التى ربته، أما الآن فهناك عكس ذلك تمامًا فى التعاملات اليومية، فالتهذيب يعتبر عملة نادرة، والمهذب لا ينال حقه فى أى شىء، بدءًا من الترقية أو العلاوة أو الخدمة، وحل مكان التهذيب والصوت الخفيض والأدب عكس ذلك تمامًا، فأصبح الصوت العالى والبلطجة والعنف، هى طريقة التعامل فى أغلب الأحوال، كما أصبحت الطيبة عيبًا والفتونة ميزة.
أما المشكلة الآن، فهى أننا قد وصلنا إلى أن الأجيال الصغيرة سنًا، ستشب على مجتمع اختفت منه أصول الذوق والرقى والأدب فى التعاملات، وأن نظرة واحدة على فوضى التعاملات فى الشارع المصرى، تعكس صورة مجتمع كامل، أصبح فى أمسّ الحاجة إلى استنهاض الأخلاق والذوق والرقى والأدب فى السلوكيات واحترام القانون فى شتى مناحى الحياة اليومية.
إننا فى حاجة أيضًا إلى إعلام ووسائل تواصل ومسلسلات وأفلام تعيد إلينا ما يضيع من قاموس الكلمات الراقية التى كانت ذات يوم موجودة قبل يناير ٢٠١١ فى تعاملاتنا اليومية، إنه القاموس الذى عرفناه ولا يعرفه الكثير من الشباب الآن، ناهيك عن أفلام ودراما يشاهدونها تنشر بينهم العنف واللا أخلاق والسوقية والعشوائية فى كل التعاملات التى تبث على القنوات الفضائية أو فى دور السينما باستثناء قلة قليلة جدًا من الأفلام الحديثة الجيدة والهادفة والدراما التى يندر أن يكون هدفها الارتقاء بالمشاهد.
إننا فى حاجة إلى استعادة ثقافة الرقى والارتفاع بالذوق العام، وتقديم إعلام يرتقى بالسلوكيات والكلمات والتعاملات، ويعيد قيم الضمير والأمانة والشرف والذوق إلى تعاملاتنا.. نحن شعب يتميز بأنه صاحب حضارة عريقة كانت مهد الحضارات كلها، ولسنا دولة حديثة ليس لديها تاريخ.
إن لدينا أعرافًا وتقاليد وقيمًا وطباعًا كانت تميزنا عن غيرنا من الدول، مثل الانتماء والنخوة واحترام كبار الأسرة والشهامة والكرم والطيبة والتكافل الاجتماعى ومساعدة الفقير والبساطة والتسامح والكلمات الراقية والأفلام الراقية والثقافة الراقية والصناعات الراقية أيضًا، كل هذا كان يميز المصريين وفى طريقه للاختفاء.. إننا نريد لكل هذه المميزات التى كان يتحلى بها المصريون أن تعود إلينا فى حياتنا اليومية.