رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نوبل «أبى أحمد» للسلام


إشاداتنا المتكررة بالمبادرات البناءة، التى انتهجها أبى أحمد على، رئيس الوزراء الإثيوبى، لتعزيز الاستقرار والسلام فى منطقة شرق إفريقيا، سبقت بشهور حصوله على جائزة نوبل للسلام، الذى نراه، كما رآه الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى تهنئته لأبى أحمد وللشعب الإثيوبى الشقيق، فوزًا جديدًا لقارتنا السمراء الطامحة دومًا للسلام والساعية لتحقيق الاستقرار والتنمية.
بالفعل، هناك خطوات ومبادرات بناءة وجادة، تستحق الإشادة، انتهجها «أبى أحمد»، لحل مشكلات بلاده مع دول الجوار. وشهدت السياسة الإثيوبية، منذ توليه رئاسة الوزراء، فى أبريل ٢٠١٨، قدرًا ملحوظًا من المرونة وتغيرًا كبيرًا فى ترتيب الأولويات، كما نجحت إصلاحاته الداخلية فى نزع فتيل حرب أهلية، وفى تحرير الاقتصاد الإثيوبى، جزئيًا، من السيطرة الحكومية المشددة. لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن هناك معارضة داخلية كبيرة لمشروعه الإصلاحى، خاصة من تلك الفئات التى خسرت امتيازاتها، وتضررت من وقف تهريب الأموال والأسلحة من الخارج إلى الداخل، والعكس!.
لو أدهشك ذهاب نوبل للسلام إلى رئيس الوزراء الإثيوبى بعد أقل من ١٨ شهرًا على توليه منصبه، نذكّرك بأنها ذهبت، سنة ٢٠٠٩، إلى الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، قبل مرور سنة على توليه منصبه، وكان السبب أو التبرير هو «جهوده الاستثنائية فى تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب». كما ذهبت أيضًا للرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، سنة ٢٠٠٢، أى بعد ٢١ سنة من تركه السلطة، بسبب «مساعيه فى التوصل إلى حلول للصراعات الدولية وازدهار الديمقراطية». و... و... ولأسباب يمكنك استنتاجها، ذهبت الجائزة نفسها إلى عشرات آخرين، أبرزهم شيمون بيريز، إسحاق رابين، ميخائيل جورباتشوف، والنعجة اليمنية، توكل كرمان.
قائمة أسماء مَن يحق لهم لنيل تلك الجائزة، تشمل أعضاء البرلمانات، والحكومات، والفائزين السابقين بالجائزة. أما اختيار الفائز، فتقوم به لجنة من خمسة أشخاص يختارهم البرلمان النرويجى. وطبقًا لما أعلنته بيريت رايس أندرسن، رئيسة تلك اللجنة، فإن الجائزة ذهبت هذا العام إلى رئيس الوزراء الإثيوبى تقديرًا «لجهوده من أجل التوصل إلى السلام وخدمة التعاون الدولى، وخصوصًا لمبادرته الحاسمة التى هدفت إلى تسوية النزاع الحدودى مع إريتريا».
أوائل تسعينيات القرن الماضى، استقلت إريتريا عن إثيوبيا. لكن سرعان ما دخل البلدان فى عداء طويل بسبب نزاع على «مثلث بادمي» الحدودى. وتخللت هذا النزاع حرب استمرت منذ ١٩٩٨ إلى ٢٠٠٠، أسفرت عن مقتل نحو مائة ألف من الجانبين، وإهدار أكثر من ٦ مليارات دولار. ولم تنته حالة العداء بتوقيع اتفاقية الجزائر، فى ديسمبر ٢٠٠٠، لأن لجنة القضاة الدوليين التى تشكلت، بموجب الاتفاقية، لترسيم الحدود بين البلدين، قضت بتبعية «مثلث بادمي» الحدودى إلى إريتريا، ولم تنفذ السلطات الإثيوبية القرار، إلى أن اعترف «أبى أحمد»، بقرار لجنة القضاة الدوليين، فور توليه السلطة، وأعلن أن بلاده ستعيد إلى إريتريا المناطق المتنازع عليها.
بعد هذا الاعتراف، شهدت العلاقات بين البلدين تطورات سريعة انتهت بتوقيع اتفاق سلام ومصالحة، مع تطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية، بعد قطيعة استمرت عشرين عامًا. وبعد توقيعهما على الاتفاق، تبادل أبى أحمد وأسياس أفورقى الزيارات، وأعلن كل منهما سحب قوات بلاده من الحدود، وأعادت الدولتان فتح سفارة كل منهما لدى الأخرى. ضمن سلسلة طويلة من الإجراءات تستهدف إزالة آثار التوتر المزمن فى العلاقات بين البلدين. والإشارة هنا مهمة إلى أن مصر رحبت بالتوقيع على الاتفاق بين إريتريا وإثيوبيا، فى بيان أصدرته وزارة الخارجية، فور الزيارة التاريخية التى قام بها «أبى أحمد» إلى العاصمة الإريترية أسمرة.
تأكيدًا على كونها جزءًا من هذا التحرك التاريخى، وانطلاقًا من دورها كدولة رئيسية وفاعلة فى الإقليم، أشاد بيان الخارجية المصرية، الصادر فى ٩ يوليو ٢٠١٨، بجهود القيادة السياسية فى كلا البلدين لإنجاز هذا الاتفاق. كما أعربت مصر عن تطلعها لتكثيف التعاون مع كل من إريتريا وإثيوبيا وجميع الدول الشقيقة فى منطقة القرن الإفريقى من أجل تعزيز الاستقرار وتحقيق أهداف التنمية، ورفع معدلات النمو للقضاء على الفقر. وطالبت بأن يكون هذا الاتفاق مثالًا يُحتذى به لإنهاء جميع النزاعات والصراعات فى القارة السمراء.
فى العاشر من ديسمبر المقبل، سيتوجه رئيس الوزراء الإثيوبى إلى العاصمة النرويجية أوسلو لتسلم الجائزة. ونتمنى أن تستمر جهوده ومبادراته البناءة لإنهاء الصراعات والخلافات فى القارة السمراء، وأن يقوم بتذليل أى عقبات أمام التوصل إلى اتفاق بشأن «سد النهضة»، يضمن تحقيق المصالح التنموية لإثيوبيا والحفاظ على أمن مصر المائى.