رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أعيدوا لسوريا مقعدها


أمس الخميس، عقد مجلس الأمن اجتماعًا طارئًا مغلقًا، لبحث العدوان التركى على سوريا، بناءً على طلب تقدمت به بلجيكا، فرنسا، ألمانيا، بولندا، وبريطانيا. وغدًا، السبت، يعقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعًا طارئًا، لبحث سُبل العمل على الحفاظ على سيادة سوريا ووحدة شعبها وسلامة أراضيها، استجابة لدعوة وجهتها الخارجية المصرية فى بيان صدر الأربعاء، أدان العدوان التركى بأشد العبارات.
كنا قد تمنينا، فى مقال أمس، أن يقبل الأكراد دعوة وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، للحوار مع دمشق. أو أن يستجيبوا لتصريحات (أو مبادرة) فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السورى، التى طالب فيها «من ضل الطريق بأن يعود إلى الوطن». وبالفعل دعت الإدارة الكردية، الأربعاء، روسيا إلى التدخل لتسهيل «الحوار» مع دمشق. وإذا جاز لنا أن نتمنى، اليوم، ستكون الأمنية هى أن ينفخ الله فى صورة وزراء الخارجية العرب ليقرروا فرض عقوبات على تركيا، على الأقل، كتلك التى تضمنها مشروع القانون الذى أعلن عضوان بمجلس الشيوخ الأمريكى، الأربعاء، عن تقديمهما له.
طبقًا لما جاء فى نص مشروع القانون، الذى قدمه كريس فان هولين، وليندسى جراهام، ونشره الموقع الرسمى للأخير، فقد تضمنت تلك العقوبات منع بيع الأسلحة والذخائر الأمريكية إلى تركيا، وتقييد منح تأشيرات الدخول للمسئولين الأتراك، وتجميد الأصول التابعة لهم فى الولايات المتحدة، بمن فيهم الرئيس التركى ووزراء الخارجية والدفاع والمال والتجارة والطاقة. وكذا أصول قطاع الطاقة التركى، وأى كيان أجنبى يبيع أسلحة لأنقرة.
لم يوضح العضوان متى سيُقَدّمان المشروع إلى مجلس الشيوخ للتصويت عليه. لكن حال حدوث ذلك، وحال تصويت أعضاء المجلس ذى الغالبية الجمهورية، فإن التصويت عليه سينتقل إلى مجلس النواب حيث الغالبية فيه للديمقراطيين. وأيًا ما كان الأمر فإن المشروع تم تقديمه من أجل الأكراد، لا من أجل سوريا التى لا تزال تعانى من عزلتها الدبلوماسية، على الصعيدين العربى والدولى، وهو الوضع القائم منذ قامت غالبية الدول العربية والغربية بإغلاق سفاراتها هناك. ومنذ أصدرت جامعة الدول العربية، فى ١٢نوفمبر ٢٠١١، قرارها بتعليق أو تجميد عضوية سوريا، وفرضت عليها عقوبات قاسية، بأوامر قطرية، أو بأوامر نقلتها قطر.
بعد شهر بالضبط، ستحل الذكرى الثامنة لتعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية. ونذكرك، لو كنت نسيت، أن مهندس تلك القرارات ومعلنها كان حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر، وزير خارجيتها وقتها. واليوم، لا نجد جديدًا يمكن أن تقرره الجامعة العربية غير فرض عقوبات على تركيا وإعادة سوريا إلى مقعدها، إذ كان المجلس الوزارى للجامعة قد أكد فى اجتماعه، الشهر الماضى، إدانته التدخلات الخارجية فى عموم سوريا، وطالب تركيا بسحب قواتها، وأكد رفضه أى ترتيبات قد ترسخ لواقع جديد على الأراضى السورية.
ما قد يثير الدهشة أو يدعو إلى السخرية، هو أن لبيثان ماكينان ومارتن تشولوف، مراسلى جريدة «الجارديان»، كانا قد نقلا فى ٢٦ ديسمبر الماضى، عن مصادر مجهولة الأسماء والصفات والجنسيات، ترجيحات باقتراب عودة بشار الأسد إلى مكانه وسط القادة العرب. واستنتج مراسلا الجريدة البريطانية أن تشهد تلك اللحظة الإعلان النهائى لوفاة الربيع العربى، وأن تتحطم ما زعما أنها «آمال قيام ثورات شعبية» بوجود جيل جديد من حكام منطقة الشرق الأوسط الأقوياء.
مرت ١٠ شهور، ولا جديد، أو قديم، يوحى بأن دول الخليج تسعى إلى إعادة سوريا إلى الجامعة العربية، كما جاء فى التقرير، الذى نقل كاتباه، أيضًا، عن مصادر مجهولة أن هناك اعتقادًا متزايدًا بين الأعضاء الـ٢٢ بالجامعة العربية بضرورة عودة سوريا. وزعما أن هناك استراتيجية سعودية إماراتية جديدة تهدف إلى إبعاد الأسد عن نفوذ طهران، بإعادة سوريا إلى الجامعة مع وعود بتطبيع العلاقات التجارية وضخ الأموال اللازمة لإعادة الإعمار.
النكتة، هى أن ذلك التقرير تم نشره بعد يومين من تأكيد جامعة الدول العربية، فى بيان صدر فى ٢٤ ديسمبر، على أن موقفها تجاه تعليق عضوية سوريا لم يتغير لعدم وجود ما وصفته بـ«التوافق العربى». وما يؤسف هو أن المعنى نفسه، كرره أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة، فى فبراير الماضى، حين قال إن عودة سوريا إلى الجامعة يتطلب وجود توافق عربى كامل، واستدرك بأن هناك تحفظات لدى بعض الدول!.
وأخيرًا، قد يصبح شرق الفرات مصيدة لتركيا وحلفائها، لو استجاب الأكراد لصوت العقل وعادوا إلى حضن وطنهم، وقاتلوا عدوهم تحت مظلة الجيش العربى السورى. وقد يكون إجماع الدول العربية على إدانة العدوان التركى إيذانًا ببدء إفاقتها وتوافقها على طرد قطر من الجامعة العربية، أو تجميد عضويتها، وإعادة سوريا إلى مقعدها.. وإلى حضن أمتها.