رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فرصة الأكراد الأخيرة



الدورة السابعة لقمة التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، التى استضافتها القاهرة، الثلاثاء الماضى، وجهت عدة صفعات إلى الرئيس التركى، توقفنا عند بعضها، أمس، وأرجأنا تناول موقف زعماء الدول الثلاث من جرائمه فى سوريا، انتظارًا للتطورات، التى انتهت بقيام القوات التركية، عصر أمس، بالهجوم على شرق الفرات أو شمال شرقى الدولة الشقيقة.
قرار الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، بسحب قوات بلاده، جزئيًا، من شمال شرقى سوريا، لا يُعد نقطة تحول فى السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية، لأنه يأتى تنفيذًا لوعد قطعه «ترامب» على نفسه أثناء حملته الانتخابية. غير أن تغريدات الأخير المتناقضة، فى حسابه على تويتر، بشأن تركيا والأكراد، أربكت كل أطراف الأزمة. خاصة، مع إعلان تركيا اعتزامها القيام بعمليات عسكرية، تخطط لها منذ فترة طويلة لإنشاء ما تصفها بـ«المنطقة الآمنة»، بينما يقول الواقع إنها تريد بهذا التحرك اغتصاب جزء من أراضى الدولة الشقيقة.
زعماء مصر وقبرص واليونان أكدوا، فى بيانهم المشترك، رفضهم التام «لمحاولات استخدام القوة، واستقطاع جزء من الأراضى السورية، وفرض أمر واقع جديد فى المنطقة، فيما يُعد انتهاكًا للأعراف والقوانين الدولية». وفى الكادر، دخلت جامعة الدول العربية، وأعرب أمينها العام عن قلقه وانزعاجه حيال الخطط المعلنة والاستعدادات الجارية من جانب تركيا للقيام بعملية عسكرية فى العمق السورى. وكان المجلس الوزارى للجامعة قد أكد فى اجتماعه، الشهر الماضى، إدانته التدخلات الخارجية فى عموم سوريا، وطالب تركيا بسحب قواتها، وأكد رفضه أى ترتيبات قد ترسخ لواقع جديد على الأراضى السورية. كما حذرت بريطانيا وفرنسا تركيا من القيام بأى عملية عسكرية فى سوريا.
مع ذلك، أعلن الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، عصر أمس، بدء العملية العسكرية شمال شرقى سوريا، مستهدفًا ما زعم أنها «تنظيمات إرهابية». وفى حسابه على تويتر، كتب مصطفى بالى، المتحدث باسم ما يوصف بـ«قوات سوريا الديمقراطية» إن المقاتلات التركية بدأت تنفيذ ضربات جوية على مناطق مدنية. كما أشارت وسائل إعلام رسمية سورية ومسئول كردى، إلى أن انفجارًا وقع فى بلدة رأس العين شمال شرقى البلاد على الحدود مع تركيا.
الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا غير شرعى، أساسًا، وهو بلا شك أحد العوائق الرئيسية فى طريق تسوية الأزمة السورية. كما أن هناك شواهد كثيرة على العلاقات القوية والوثيقة التى ربطت التنظيمات الإرهابية بالسلطات التركية، القطرية، الأمريكية، البريطانية والإسرائيلية. كما سبق أن اعترف حمد بن جاسم، رئيس الوزراء، وزير الخارجية القطرى السابق، بأن إمارته دعمت جماعات إرهابية فى سوريا، عبر تركيا، بالاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف أخرى. وربما كان ذلك هو سبب تغريدات الرئيس الأمريكى المتناقضة، التى أربكت كل أطراف الأزمة، كما أشرنا.
بوضوح، كتب الرئيس الأمريكى، فى حسابه على تويتر، إن مواصلة بلاده دعم القوات الكردية فى المنطقة مكلف للغاية. وأشار فى تغريدة أخرى إلى أن الأكراد حصلوا على مبالغ طائلة وعتاد هائل. ثم طالب «تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والأكراد» بتسوية الوضع. لكنه زعم لاحقًا أن واشنطن «لم تتخل عن الأكراد». وبعد أن هدد تركيا بأنه سيدمر اقتصادها إذا تجاوزت الخطوط الحمراء فى سوريا، دون أن يوضح طبيعة تلك الخطوط، عاد وأعلن عن اجتماع مرتقب مع نظيره التركى فى ١٣ نوفمبر المقبل!.
الأكراد هم العمود الفقرى لما يوصف بـ«قوات سوريا الديمقراطية»، التى تسيطر على نحو ٣٠٪ من مساحة سوريا. ولا يعنى تخلى الولايات المتحدة عنهم، فعليًا أو واقعيًا، مع إدعاء العكس، شفهيًا أو شكليًا، غير تسليمهم لتركيا التى تراهم «إرهابيين» وامتدادًا لحزب العمال الكردستانى. وبالتالى، يكون الأكراد، أكراد سوريا، قد خسروا كل شىء، ولم يعد أمامهم غير فرصة واحدة، وأخيرة، للحفاظ على أنفسهم ووطنهم. وما قد يطمئن هو أن مظلوم عبدى، قائد «قوات سوريا الديمقراطية»، لم يستبعد التحالف مع الجيش العربى السورى، الذى وصفه بـ«القوات الموالية لبشار الأسد»، وأكد أن كل الخيارات مفتوحة لردع التوغل التركى.
مفاوضات سابقة مع دمشق، لم تسفر عن اتفاق، بسبب رفض الأكراد إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل سنة ٢٠١١، ونتمنى أن تكون تصريحات «عبدى» مقدمة لقبوله دعوة وزير الخارجية الروسى، سيرجى لافروف، للحوار بين دمشق والأكراد. أو استجابته لتصريحات (أو مبادرة) فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السورى، التى طالب فيها «من ضل الطريق بأن يعود إلى الوطن»، وتأكيده أن بلاده ترحب بكل أبنائها، وتريد أن تحل كل المشكلات بطريقة إيجابية، تحافظ على كل ذرة تراب من أرض سوريا.