رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صفعات ثلاثية لتركيا


بعد ظهر الأحد اختتم وزير الخارجية الأمريكى زيارته إلى العاصمة اليونانية أثينا. وصباح الثلاثاء، استقبلت القاهرة رئيس الوزراء اليونانى كيرياكوس ميتسوتاكس، والرئيس القبرصى نيكوس أناستاسيادس، وشارك الزعيمان فى الدورة السابعة، لقمة التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان، والثالثة التى تستضيفها مصر، منذ تدشين هذه المبادرة فى نوفمبر ٢٠١٤.
المبادرة، التى انطلقت من القاهرة بعد اجتماع عقدته الدول الثلاث، بدأ بعدها تنظيم عمليات الاستثمار فى مصادر الطاقة فى شرق المتوسط. ومنذ تولى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الحكم، صارت تلك الثروة بوصلة واضعى السياسات فى دائرته الداخلية، وأحد أسباب توتر العلاقات بين الإدارة الأمريكية وتركيا التى لا تريد العبث فقط قبالة السواحل القبرصية، بل ترغب أيضًا، بمساعدة قطر، فى استثمار شواطئ غزة، عبر تحريك حركة «حماس» لمنع التوصل إلى تسوية فى القطاع.
تركيا، كما أشرنا فى مقال سابق، كانت تحلم بالسيطرة على إنتاج الغاز بمنطقة شرق المتوسط وتصديره إلى أوروبا عبر أراضيها. إلا أن تلك الأحلام تبخرت وباءت جهودها ومؤامراتها بالفشل. بينما نجحت مصر فى اقتناص تلك المكانة المركزية، وتمكنت من الإمساك بمفاتيح مستقبل غاز المتوسط، وفرضت اسمها على خريطة الطاقة الدولية. ولم تنجح مصر فى ذلك بمؤامرات أو بضربات تحت الحزام، وإنما انطلاقًا من موقعها الاستراتيجى، وتأسيسًا على جهودها طوال السنوات الخمس الماضية، فى تطوير هذا القطاع، واستنادًا إلى قواتها المسلحة، القادرة على قطع أيادى ورقاب كل من يحاولون الاقتراب من ثروات شعبها ومقدراته.
وفق هذا التصور، يمكنك النظر إلى قيام وزير الخارجية الأمريكى، خلال زيارته لليونان التى استمرت ثلاثة أيام، بالتوقيع يوم الجمعة، على اتفاق فى مجال الدفاع المشترك، وصفه نيكوس باناياتوبولوس، وزير الدفاع اليونانى، بأنه «يعزز التعاون الاستراتيجى بين البلدين» ويشكل «ضمانًا للاستقرار والتنمية»، كما أعلن نيكوس دندياس، وزير الخارجية اليونانى، أن هذا الاتفاق «يحمى البلاد ومصالحها» عبر زيادة «الحضور الأمريكى فى المنطقة». وعليه، فإن واشنطن ستقوم بتوسيع وجودها فى اليونان، إلى جانب قواعدها العسكرية الموجودة، فى جزيرة كريت منذ ١٩٩٠، وفى لاريسا، المقر العام لحلف شمال الأطلسى فى المنطقة.
فى اليوم نفسه، أى يوم الجمعة الماضى، نددت الحكومة القبرصية بوصول سفينة حفر تركية إلى منطقة تابعة لها، مرخص بالعمل فيها لشركتى توتال الفرنسية وإينى الإيطالية. واعتبرت الفعل التركى «سلوكًا استفزازيًا وعدوانيًا»، وينتهك القانون الدولى، ويمثل تهديدًا خطيرًا للأمن الإقليمى. وعليه، كان طبيعيًا أن تتناول محادثات الزعماء الثلاثة، يوم الثلاثاء، التطورات فى منطقة شرق المتوسط، وما تشهده من توتر وتصعيد فى المواقف، قد ينتج عنه استقطاب دولى وإقليمى، بسبب الممارسات التركية، أحادية الجانب، التى من شأنها زعزعة الاستقرار فى المنطقة ككل، والإضرار بمصالح دول الإقليم.
الزعماء الثلاثة أكدوا أن تحقيق الأمن والاستقرار يمثل أولوية استراتيجية، تستدعى التكاتف من أجل الحفاظ عليها وتأمينها. كما استعرضوا التطورات الخاصة بمشروعات التعاون الثلاثى، و... و... أكدوا، أيضًا، أهمية تعزيز التنسيق فى مختلف أطر التعاون التى تجمع الدول الثلاث، خاصة منتدى غاز شرق المتوسط. كما جددوا دعمهم الجهود التى تقوم بها الحكومة القبرصية من أجل التوصل إلى حل شامل وعادل للقضية القبرصية، استنادًا إلى قرارات مجلس الأمن ذات الصلة.
توضيحًا للصورة، نشير إلى أن جزيرة قبرص منقسمة، منذ سنة ١٩٧٤، إلى شطرين: تركى فى الشمال، ويونانى فى الجنوب. وتتركز مفاوضات توحيد شطرى الجزيرة التى تجرى تحت إشراف الأمم المتحدة فى ٦ محاور رئيسية: الاقتصاد، شئون الاتحاد الأوروبى، الملكيات، تقاسم السلطة، الأراضى، الأمن، والضمانات. غير أن تركيا تحول دون إحراز أى تقدم فى تلك المفاوضات، أملًا فى السطو على جزء من غاز المتوسط، بزعم أنه نصيبها ونصيب ما توصف بـ«جمهورية شمال قبرص»، تلك الدولة المزعومة، التى لا تعترف بوجودها إلا تركيا!.
الدورة السابعة لقمة التعاون الثلاثى بين مصر وقبرص واليونان وجهت صفعات مباشرة أخرى إلى تركيا، بتأكيد الزعماء الثلاثة ضرورة عدم تسييس قضايا اللاجئين، والمتاجرة بآلامهم، أو استخدامهم كأوراق ضغط لتحقيق مكاسب ضيقة. وأيضًا، حين طالبوا بضرورة التوصل إلى حل سياسى شامل للأزمة الليبية، ومواجهة التدخلات الخارجية، الرامية لاستمرار عدم الاستقرار فى ليبيا عبر دعم الميليشيات الإرهابية بها.
أخيرًا، وعلى أهمية وقوة تلك الصفعات، إلا أن الصفعة الأهم، التى تلقاها الرئيس التركى، تمثلت فى مطالبة الزعماء الثلاثة للمجتمع الدولى بمضاعفة الجهود المبذولة لمواجهة الإرهاب، وتجريم ما توفره بعض الدول من دعم مادى وبشرى للأعمال الإرهابية والسماح بعبور ونقل المقاتلين الأجانب عبر أراضيها وتوفير حواضن آمنة ونوافذ إعلامية لتلك الجماعات.