رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السد.. المفتى.. ومفيد شهاب



إلى طريق مسدود، أو موارب، وصلت المفاوضات بشأن «سد النهضة»، بسبب عدم مرونة الجانب الإثيوبى ومحاولته التنصل مما تعهد به فى اتفاق أو إعلان المبادئ، الذى تم توقيعه فى مارس ٢٠١٥، وتضمّن اعترافًا إثيوبيًا صريحًا بمبدأ عدم الضرر. ونص بوضوح فى أحد بنوده على جواز طلب الوساطة الدولية لتسوية النزاعات.
مصر، كما قال الدكتور مفيد شهاب، ألزمت إثيوبيا بتعهدات مكتوبة فى «إعلان المبادئ» بدلًا من الاكتفاء بها شفوية. وهو ما رآه أستاذ أساتذة القانون الدولى «مكسبًا»، لأن «اتفاقية الأنهار الدولية اتفاقية عامة. لكن إعلان المبادئ يقتصر على مبدأين أو ثلاثة. والخاص له قيمة دائمًا عن العام». وعليه، كان غريبًا وعجيبًا أن يُعاد، الآن، تدوير وتداول كلام شديد السذاجة (أو التفاهة) قاله «الدكتور أحمد المفتى»، الذى جرى تعريفه بأنه «العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبى، خبير القانون الدولى، والمستشار القانونى السابق لوزير الرى».
مفيد شهاب، كما قلنا أمس، هو رئيس جامعة القاهرة الأسبق وأستاذ القانون الدولى فيها، رئيس الجمعية المصرية للقانون الدولى، عضو اللجنة القومية للدفاع عن قضية طابا، وزير التعليم العالى الأسبق. كما كان وزيرًا للمجالس النيابية والشئون القانونية. وتصادف أن يكون شخصية عدد أكتوبر من «مجلة السياسة الدولية»، التى يرأس تحريرها زميلنا وصديقنا أحمد ناجى قمحة. وتضمن العدد حوارًا مهمًا مع الرجل، أجرته أسرة تحرير المجلة، فى ٢٥ أغسطس ٢٠١٩، وأعده للنشر الزميل على بكر. وما يضاعف أهمية الحوار، فى هذا التوقيت، هو أن الرجل شارك فى صياغة إعلان المبادئ مع الحكومة المصرية.
بمنتهى الموضوعية والهدوء، قال أستاذ أساتذة القانون الدولى إن إنشاء السد حق لإثيوبيا ولا أحد يستطيع أن يمنعها، شريطة أن تحترم قواعد الاتفاقيات الدولية، مشيرًا إلى أن هناك اتفاقية دولية تنص على أنه عند إقامة مشروع فى النهر الدولى فى الجزء الواقع داخل دولة ما، ينبغى على تلك الدولة إخطار الدول الأخرى بهذا المشروع والتعاون معها، وألا يكون هناك تعسف فى استعمال هذا الحق. وأوضح شهاب أن مصر وافقت على المشروع سنة ٢٠٠٨، عندما عرضته إثيوبيا بمواصفات تتمثل فى تخزين ١٢ مليار متر مكعب. لكن معايير ومواصفات السد تغيرت بعد سنة ٢٠١١، ومن هنا تولد الخلاف، لأن إثيوبيا لم تبلغ مصر بالمعايير الجديدة.
تأسيسًا على ذلك، يعتقد مفيد شهاب أن هناك دوافع سياسية وراء الموقف الإثيوبى، وأن هناك قوى خارجية تحرضها على ذلك. واتهم الولايات المتحدة بأنها تقف وراء ذلك، لأن لديها عقدة نتيجة بناء مصر السد العالى، وتريد الانتقام منها لأنها رفضت، وقتها، مشروع البنك الدولى، فانتهزت الفرصة وساعدت إثيوبيا من خلال المنح والقروض، لإنشاء السد بارتفاع ١٧٤ مترًا وطول ٦٨ مترًا والأخطر السعة التخزينية التى تريد تنفيذها خلال عامين أو ثلاثة. وهذه المواصفات ستضر بمصر. وبالتالى، عندما تفاوضت مصر مع إثيوبيا، طالبت بخفض ارتفاع السد، خاصة أن المنطقة التى بنى عليها تقع فى نطاق الهزات الأرضية، وهو ما يمكن أن يؤدى إلى انهياره، إضافة إلى ضرورة أن تكون سنوات الملء أطول.
مقابل كلام مفيد شهاب، يعاد الآن، كما أشرنا، تدوير وتداول كلام شديد السذاجة (أو التفاهة) قاله «الدكتور أحمد المفتى»، جرى تعريفة بأنه «العضو المستقيل...... إلخ»، وزعم فيه أن اتفاق المبادئ الذى وقعه قادة مصر والسودان وإثيوبيا، أدى إلى تقنين أوضاع سد النهضة، وحوله من سد غير مشروع دوليًا إلى مشروع قانونيًا. وفى الحوار الذى نشرته جريدة «المصرى اليوم»، فى ١٢ ديسمبر ٢٠١٥، زعم المذكور أن الاتفاق لا يعطى مصر والسودان نقطة مياه واحدة. وأنه استقال من عمله «كمستشار فى اللجنة الثلاثية لسد النهضة قبل ٤ أعوام»، أى سنة ٢٠١١.
قبل أن تبدى دهشتك من موعد الاستقالة، الذى يسبق تشكيل أى لجان خاصة بالسد أو بدء المفاوضات بين الدول الثلاث، ندعوك إلى أن تضبط انفعالاتك، حتى يمكنك استيعاب أن المدعو «أحمد المفتى» لم يشترك مطلقًا فى أى مفاوضات خاصة بسد النهضة، ولم يكن عضوًا فى أى لجنة لها علاقة بالسد. وكل ما فى الموضوع أنه كان متعاقدًا من الخارج مع وزارة الرى السودانية، وانتهت مدة تعاقده نهاية يوليو ٢٠١٢.
ما يجعلنا أمام نكتة سخيفة، هو أن ذلك «المفتى»، قبل أن يتنقل بين الصحف والقنوات التليفزيونية بـ«لافتة» العضو المستقيل من لجنة لم يكن عضوًا فيها أساسًا، كان يوصف بوكيل وزارة العدل، أو الخبير الحقوقى أو «رئيس مركز الخرطوم الدولى لحقوق الإنسان»، وهى الصفات التى كان يستعمله بها نظام عمر البشير، لتبرير كثير من الانتهاكات والجرائم!.