رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

.. ولم تنته الحرب



هذا هو أسوأ أيام الأعداء واللقطاء، وأكثرها سوادًا. يوم السادس من أكتوبر، الذى سيظل محل فخر واعتزاز المصريين، المصريين فعلًا، بانتصارهم الأعظم فى التاريخ الحديث، وبالهجوم العسكرى الأكبر الذى يشنه جيش، هو جيشهم، منذ الغزو الأمريكى للهند الصينية سنة ١٩٥٠.
قبل ١٥١ سنة من نصر أكتوبر العظيم، أقام محمد على، مؤسس مصر الحديثة، احتفالًا رسميًا، فى أكتوبر ١٨٢٢، قدم فيه العلم لقائد الجيش، وقال تلك الخطبة التى ظل يلقيها على كل «آلاى» جديد ينضم إلى جيش مصر الوطنى: «إن هذا العلم رمز النصر ورمز العزة ورمز الحياة ورمز الإيمان. فلا تبالوا بالموت حتى تضعوه فى موضعه. لا يسقط العلم وفى واحد منكم رمق من الحياة. فإذا سقط ـ لا قدر الله ـ فليكن فى البقعة التى فيها تموتون».
شاءت الأقدار أن يسقط العلم فى جزء من أرض مصر، غير أن التاريخ سجل لهذه الأمة «أن نكستها لم تكن سقوطًا، وإنما كانت كبوة عارضة وأن حركتها لم تكن فورانًا وإنما كانت ارتفاعًا شاهقًا. لقد أعطى شعبنا جهدًا غير محدود.. وقدم شعبنا تضحيات غير محدودة.. وأظهر شعبنا وعيًا غير محدود.. وأهم من ذلك كله، أهم من الجهد والتضحيات والوعى، فإن الشعب احتفظ بإيمان غير محدود، وكان ذلك هو الخط الفاصل بين النكسة والهزيمة». وتلك كانت نبوءة الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى ١٦ أكتوبر ١٩٧٣، بعد مرور ١٠ أيام من الحرب، وبعد أن بدأنا نحارب مباشرة أو وجهًا لوجه الولايات المتحدة، التى حاولت ولا تزال، أن تفرض مخططها الأكبر: إعادة صياغة الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط.
الآن، بعد ١٩٧ سنة من وصية مؤسس مصر الحديثة، وبعد ٤٦ سنة من النصر العظيم، يمكننا التأكيد على أن مصر استردت عافيتها العسكرية، السياسية والاقتصادية، بنصر كبير لاحق تحقق فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣ بإرسال جماعة الإخوان إلى القبر، وإسقاط قادتها أو غلمانها عن حكم مصر، ليسقط معهم مشروع «الشرق الأوسط الكبير»، الذى حاولت ثلاث إدارات أمريكية تحقيقه، بدءًا من إدارة كلينتون التى رفعت شعارات نشر قيم الديمقراطية والليبرالية، ثم إدارة باراك أوباما التى رعت وساندت وموّلت ما يوصف بـ«الربيع العربى»، وبينهما إدارة جورج بوش الابن، التى أطلعت رجب طيب أردوغان، فى يناير ٢٠٠٤، على المشروع، الذى يمكن تلخيصه فى إفشال المنطقة بإدخالها فى معارك طاحنة ودوامات من الفوضى اللانهائية.
المعركتان، إذن، كانتا ضد العدو نفسه. وفعليًا وعمليًا، كانت الولايات المتحدة هى العدو الأساسى فى حرب أكتوبر، وتخطئ لو اعتقدت أنها تدخلت فقط، لمساعدة الإسرائيليين، لأن ما حدث كان مشاركة أمريكية فعلية، سواء عسكريًا أو باستصدار قرارات مجلس الأمن بوقف إطلاق النار، لم تصدر، إلا ليقوم العدو بخرقها ويحققوا مكاسب عسكرية على الأرض، أو بالأسلحة الحديثة والمتطورة التى لم يتم استخدامها من قبل، أو «بشوكها» كما يُقال، والتى تدفقت عبر جسر جوى أمريكى، وأتاحت للإسرائيليين التموضع عسكريًا، شرق القناة، بالشكل الذى دعم موقفهم التفاوضى بعد وقف إطلاق النار.
نصر أكتوبر وثورة ٣٠ يونيو، يربطهما أيضًا ما تحقق، ولا يزال، على أرض سيناء، التى ظلت حتى وقت قريب، تعانى فراغًا سكانيًا، كنتيجة طبيعية لقسوة طبيعتها وصعوبة الحياة فيها فى غياب المرافق أو الخدمات. وسبق أن أوضحنا، أنها حين عادت «كاملة لينا»، سنة ١٩٨٢، عادت بقيود الحدود الآمنة، لا بقيود الحدود الجغرافية أو السياسية. وبالتالى، ظلت منزوعة أو «مكتوفة» السلاح، ومرتعًا للإرهابيين، إلى أن استعادت مصر عافيتها السياسية والعسكرية. بالضبط كما ظل حلم التعمير حبيس الكتب والدراسات، إلى أن استعادت الدولة عافيتها الاقتصادية واستردت قرارها السياسى.
النظر إلى توازن القوى وليس إلى توازن المصالح، جعل سيناء نقطة ضعف أساسية وثغرة فى جدار أمننا القومى، أدى إلى اضطرابات وتهديدات لأمن مصر واستقرارها. ومع تراخى السلطات الإسرائيلية المتعمّد فى ضبطها ومع تواطؤ حركة «حماس»، صارت المنطقة الملاذ الآمن للجماعات الإرهابية والخارجة على القانون، وقاعدة أو نقطة انطلاق للأعمال التخريبية. وظل الوضع يتدهور حتى وجدنا أنفسنا أمام ما لا نبالغ ولا نسخر لو سميناه «منتخب العالم فى الإرهاب».
لم تنته الحرب، لكن مع استعادة مصر عافيتها العسكرية، السياسية والاقتصادية، اختلف الوضع تمامًا. ومع القفزات التنموية، والمشروعات القومية، التى تسير وفق استراتيجية التنمية المستدامة «مصر ٢٠٣٠»، يكون طبيعيًا ومنطقيًا أن تفخر ببلدك، بجيشك وبنفسك، وألا تلتفت إلى أكاذيب، ادعاءات، أو هلاوس، مَن يحاولون إشاعة اليأس والإحباط، فى عالمهم الوهمى أو الافتراضى، سواء كانوا من الضالين، أو المغيبين أو الكارهين لبلدهم وأنفسهم.