رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لبنان.. شائعات.. أزمات وغليان


مصادر قريبة من الرئاسة اللبنانية سربت معلومات تفيد بأن العمل جار على ملاحقة مروجى الشائعات على شبكات التواصل الاجتماعى، تبعها بلاغ تقدم به أحد المحامين إلى النيابة العامة فى بيروت، يطالبها فيه بملاحقة الحسابات ومصادر الأخبار الملفقة، التى تقوم بـ«تحقير الدولة اللبنانية ورئيسها، وتلفيق مزاعم، وإحداث تدنٍ فى أوراق النقد الوطنية، و....إلخ».
ما ربط بين المعلومات المسربة والبلاغ، أن مكتب الإعلام فى رئاسة الجمهورية اللبنانية، أصدر تعميمًا يتضمن المادة ٢٠٩ من قانون العقوبات، التى تحدد ماهية النشر، والمادتين ٣١٩ و٣٢٠ اللتين تحددان عقوبات مرتكبى تلك الجرائم، كما ربط بين الاثنين، أيضًا، أن مقدم البلاغ، المحامى وديع عقل، ينتمى إلى التيار الوطنى الحر، أو «التيار العونى»: حزب الرئيس اللبنانى ميشال عون، الذى يرأسه صهره جبران باسيل، وزير الخارجية، ما يعنى بوضوح أن هناك نية أو ضوء أخضر لملاحقة الذى «هبدوا» بشأن الأزمة المالية الأخيرة.
المسئولون اللبنانيون كانوا ينكرون وجود أزمة، بينما كانت القيود والشروط تتزايد على إجراء تحويلات من الليرة اللبنانية إلى الدولار، بل إن بعض البنوك امتنعت تمامًا عن تحويل عملات للمودعين، ما دفعهم إلى اللجوء للسوق السوداء للحصول على الدولار بأسعار أعلى كثيرًا من السعر الرسمى، ومع تفاقم الأزمة هددت نقابة مستوردى المحروقات بالإضراب، وعليه، قام مصرف لبنان المركزى، منذ أيام، بفتح اعتمادات تؤمن الدولار بالسعر الرسمى لمستوردى «المواد الاستراتيجية» كالمحروقات والقمح والدواء.
الليرة اللبنانية مربوطة بالدولار منذ سنة ١٩٩٧، وبعد ساعات من إعلان لبنان، بداية الشهر الماضى، «حالة الطوارئ الاقتصادية»، تعهد سعد الحريرى، رئيس الوزراء اللبنانى، وفى تصريحات لشبكة «سى إن بى سى»، باستمرار هذا الربط، وبإبقاء سعر الدولار ثابتًا كما هو: ١٥٠٠ ليرة، مشيرًا إلى أن الحكومة لن تفكر فى برنامج صندوق النقد الدولى، الذى يترك لقوى السوق مهمة تحديد السعر.
فى هذا السياق، أو وسط تلك «المعجنة»، ظهرت تحليلات وتصورات، معلومات أو شائعات، فى وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعى، كان لها تأثيرات سلبية فى الرأى العام، بمواطنيه ومستثمريه، جعلتهم يسارعون إلى دولرة أموالهم ومدخراتهم، أو سحب ودائعهم بالعملات الصعبة من المصارف، ليزداد طين الأزمة بللًا، وليصف بعض الخبراء ما تشهده الدولة بأنه أخطر أزمة مالية تمر بها منذ ما يزيد على عقدين.
سخونة الأزمة تمددت أفقيًا؛ لتصل إلى جيوب المواطنين الذين تظاهروا، الأحد، وأغلقوا بعض الطرق فى أنحاء متفرقة من البلاد، التى يبلغ دينها العام ١٥٠٪ من الناتج المحلى الإجمالى، وتعانى ركودًا اقتصاديًا وقيودًا مالية مرتبطة بتباطؤ تدفقات رؤوس الأموال من الخارج، بسبب غياب الدولة «أو تغييبها» لصالح منظومة أقوى، جرّت البلاد إلى صراعات لا دخل لها فيها.
ستلومنى طبعًا، لو لم أتوقف عند التقرير الذى نشرته جريدة «نيويورك تايمز»، الإثنين، وزعمت فيه أن سعد الحريرى ربطته علاقة عاطفية بعارضة ملابس سباحة «مايوهات»جنوب إفريقية، وأنه قام بتحويل ١٦ مليون دولار إلى حسابها سنة ٢٠١٣. والحقيقة هى أننى لم أكن أريد التوقف عن هذا التقرير، لعدة أسباب أبرزها أن الحريرى لم يكن رئيسًا للحكومة وقتها، ولأن تحويل المبلغ لم ينتهك القوانين اللبنانية أو الجنوب إفريقية، بالإضافة إلى وجود احتمالات قوية بأن يكون للموضوع خلفيات تجارية، لا عاطفية، يدعمها أن والد «عارضة البكينى» رجل أعمال، له معارك قضائية عديدة مع سلطات بلاده بشأن معاملاته التجارية.
لم نكن نريد التوقف، لكن ما دمنا توقفنا، فلا مانع من ترجيح أن يكون نشر التقرير، فى هذا التوقيت، «قرصة أذن» أمريكية، لرئيس الوزراء اللبنانى، بسبب تقاربه مع «ولن نقول خضوعه لـحزب الله». ولعل ذلك هو ما دفع الأخير لأن يكتب، مساء الثلاثاء، فى حسابه على تويتر: «مهما شنّوا حملات ضدى ومهما قالوا أو كتبوا أو فعلوا سأستمر فى العمل ولن أتوقف»، وقبلها بساعات، وخلال ترؤسه اجتماع «اللجنة الفنية لتنسيق الخدمات الضرورية فى المحافظات» قال الحريرى كلامًا شبيهًا، وأضاف: «إذا كان البعض يعتقد أن الموضوع يتعلق بسعد الحريرى فليأتِ شخص آخر، ولكن المشكلة ليست هنا، بل فى إيجاد حلول اقتصادية ونقطة على السطر».
النقطة التى وضعها الحريرى على السطح، سبقتها معلومات نسبتها صحف ومواقع إلكترونية لبنانية عديدة، إلى مصادر مقربة من قصر بعبدا «القصر الجمهورى» تشير إلى أن حل الأزمة المالية الحالية مرهون باستقالة الحكومة، غير أن المكتب الإعلامى لرئاسة الجمهورية اللبنانية أكد، فى بيان، أن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة، وشدد على أن «مثل هذه الأخبار وغيرها، تندرج فى سياق الشائعات التى تكاثرت فى الآونة الأخيرة».