رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بُعبُع أردوغان




البعبع هو كائن وهمىّ يخيف به الكبار أطفالهم، حين يقومون بعادات سيئة كمص الإبهام، أو اللعب فى الطين. كما يجرى استخدام الكلمة لوصف مَن، أو ما، يُخيف شخصًا ما. و«بعبع» الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى يرعبه ويخيفه، هو المفكر والداعية الإسلامى فتح الله جولن، الذى يعرف «أصله وفصله»، ويحظى باحترام وتقدير غالبية الشعب التركى.
زميلنا نشأت الديهى نجح فى اقتناص حوار تليفزيونى مع جولن، المقيم فى ولاية بنسلفانيا الأمريكية، الذى تتهمه السلطات التركية بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة (أو المزعومة) التى جرت منتصف يوليو ٢٠١٦. ومع أن جولن أدان تلك المحاولة، فى حينها، ونفى مرارًا أى صلة له فيها، إلا أن السلطات التركية ألقت القبض على عشرات الآلاف بزعم ارتباطهم به أو بجماعته: حركة الخدمة. وهى حركة رائدة فى الحوار والتفاهم بين الأديان، تتسم بالمرونة والبعد عن التعصب والتشنج. لكن مؤسساتها التعليمية والخدمية، بحسب جولن، كانت هدفًا لأردوغان منذ وصوله إلى الحكم «لا لشىء إلا لأنها لم تخضع لأجندته الداخلية والخارجية».
فى الحوار الذى شاهدناه، مساء السبت، على قناة «TEN» قال جولن إن الرئيس التركى يستغل الشعارات الدينية من أجل شرعنة الفساد فى البلاد، وأكد على خطورة «الإسلام السياسى» على المجتمعات، موضحًا أن «فرض المعتقدات والتصورات التى يتبناها أنصار الإسلام السياسى على المجتمعات التعددية من شأنه أن يخلق اضطرابات ويحدث نزاعات فيها، وهو ما يجرى حاليًا فى تركيا». وأضاف: «لقد غلفوا الأمور بالشعارات الإسلامية، واستخدموها بضاعة رخيصة لضمان بقائهم فى السلطة ولإضفاء الشرعية على فسادهم». كما أوضح جولن أن أردوغان وأعوانه ظهروا على حقيقتهم، خلال تحقيقات الفساد والرشوة فى ديسمبر ٢٠١٣: «ظهرت الرشوة واللصوصية وظهر فسادهم رغم ادعاءاتهم بأنهم إسلاميون».
منذ أكثر من ثلاثة أعوام، لا تزال السلطات التركية تشن حملة قمعية شرسة، وغير مسبوقة، على كل من تشتبه بانتمائه أو ارتباطه بجماعة جولن، استهدفت عسكريين، أكاديميين، وقضاة تربويين، موظفين حكوميين وغيرهم. ووصل «هوس» السلطات التركية حد تجريم الأكلات المفضلة لأنصار جولن. بجد، مش هزار، كان بين الاتهامات التى وجهها المدّعى العام التركى إلى القس الأمريكى، أندرو برونسون، أنه تلقى رسالة من ابنته، تتضمن رابطًا لمقطع فيديو عن طريقة عمل «المقلوبة»، تلك الأكلة الشعبية المنتشرة فى بلاد الشام والعراق، بزعم أنها الأكلة المفضلة لأنصار جولن، والكلام على عهدة جريدة «أحوال» التركية، التى نشرت فى ٦ سبتمبر ٢٠١٨، تقريرًا عن أبرز الاتهامات الموجهة إلى القس الأمريكى، الذى اضطر الرئيس التركى إلى الإفراج عنه بعد «قرصة أذن» أمريكية شكلية، كانت عبارة عن عقوبات مزعومة، استخدمها فى التشويش أو «الغلوشة» على فشل سياساته الاقتصادية.
قليل من الديمقراطية، أو هامش ضئيل منها، كان يتمتع به الأتراك قبل ١٥ يوليو ٢٠١٦، وبعد هذا اليوم، شهدت تركيا إجراءات وممارسات لم تشهدها أكثر الدول قمعًا وتخلفًا: اعتقال نحو ٦٠ ألف شخص بينهم ٢٣٤ صحفيًا، احتجاز ١١٦ ألفًا، وإقالة أكثر من ١٥٠ ألف موظف بالدولة، بينهم ٤٤٢٤ قاضيًا، و٨٢٧١ عضو هيئة تدريس. بالإضافة إلى إغلاق ١٤٩ مؤسسة إعلامية و٢٠٩٩ مدرسةً ومعهدًا وجامعة. وما زالت موجة الاعتقالات والإقالات مستمرة بزعم تطهير الدولة من مدبّرى ومؤيدى «محاولة الانقلاب»، التى كان طبيعيًا ومنطقيًا أن توصف بأنها «مسرحية» دبرها «أردوغان» لقمع كل معارضيه، وتكميم أفواه كل مَنْ ينتقدونه تصريحًا أو تلميحًا، بموجب حالة الطوارئ التى قال إنها لن تنتهى إلا عندما «تنتهى الحاجة إليها».
فى حواره مع نشأت الديهى أشاد جولن بالنموذج الذى تقدمه مصر فى الاعتدال والتوازن السياسى ورآه نموذجًا «يُحتذى به». كما أشاد بمكانتها المهمة فى تاريخ العالم الإسلامى، مبديًا دهشته من الطريقة التى يتعامل بها أردوغان مع القاهرة. ومؤكدًا على أن «الشعب التركى يُكن للشعب المصرى محبة عميقة ويتعاطف كلا الشعبين مع بعضهما. ثم أعرب عن أمله فى عودة العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى ما كانت عليه. وهو الأمل الذى يراه صعبًا إن لم يكن مستحيلًا فى وجود أردوغان ومن حوله فى السلطة، الذين وصفهم بأنهم «متقلبون، كثيرو التحول».
.. وتبقى الإشارة إلى أن الديهى كان يعمل فى قناة TRT، التركية الناطقة بالعربية، واستقال منها، فى أغسطس ٢٠١٣، اعتراضًا على «عدم حياديتها» بعد تصريحات أدلى بها أردوغان، حملت بعض أكاذيبه أو تقيؤاته، التى اعتدناها منذ أطحنا بزملائه الإرهابيين من حكم مصر. وفى استقالته التى أعلنها على الهواء، قال زميلنا المحترم إن «من لا يجيد التمييز بين الألوان لن يرى الخطوط الحمراء»، مشدّدًا على أن الأمن القومى المصرى خط أحمر.