رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين وعي مجتمع "هنا" ونعي مجتمع "جنة"




يعد الوعي الإجتماعي مقياس تطور المجتمعات، لأنه يُمكننا من إصدار أحكام على التصرفات والسلوكيات الفردية والجمعية، فيجعلنا نقبلها لإيجابيتها، أو نرفضها لسلبيتها، وهذه الأحكام نابعة من مدى شعور الفرد بمسؤوليته تجاه نفسه والآخرين.

خلال أسبوع واحد وفي وطن واحد خرجت علينا وسائل الاعلام بحدثين في غاية الأهمية وهما حادث الطفلة جنة ابنة الخمس سنوات، التي تعرضت للكي والتعذيب على يد جدتها وخالها بمحافظة الدقهلية، ما أدى إلى وفاتها بعد عملية بتر في الساق، إثر توقف عضلة القلب نتيجة لإصابتها، وتتويج هنا جودة، لاعبة فريق تنس الطاولة بالنادي الأهلي تحت 12 سنة، بلقب بطولة الجمهورية للسيدات بعد التغلب على لاعبة فريق طاولة الزمالك ذات الـ 27 عامًا، لتكون أول لاعبة تخوض منافسات مع لاعبات أكبر منها سنًّا، وتتوَّج بلقب السيدات.

صار واضحًا أن محاولات الترويج للأخلاق أو القيم ددون بناء معرفي قد تكون غير كافية، فغالبًا ما كانت مثل هذه الجهود في الماضي مرتبطة بممارسات دينية قمعية، وتطبيق لنظريات سياسية غير عادلة، من خلال رؤى ضيقة للصالح العام.

لا يحتاج أي من الحدثين إلى تبرير أو تحليل، فقد ترك تدهور قدرة المجتمع على ممارسة تأثيره الأخلاقي وبناء الوعي فراغًا أخلاقيًّا ملأته الأصوات المتطرفة التي تنكر كرامة الحياة الإنسانية، ليس فقط على المستوى العام، ولكن ضمن محيط المنزل والمجتمع، فإن نسبة العنف المرتفعة داخل العائلة، والزيادة في المعاملة المهينة للنساء والأطفال، وانتشار التحرش الجنسي قد عملت على تسريع هذا التدهور والانحطاط.

أصبحت هناك ضرورة بناء الإدراك والوعي لدينا، لكوننا جزءًا من مجتمعٍ مترابط مع الآخرين، وهذا يعني تأثر الفرد بالآخرين، وتأثيره فيهم، وحين يصل كل فرد في المجتمع إلى إدراك هذا المفهوم الكبير الواسع، يصبح أفراد المجتمع أكثر ترابطًا وصلابة، وقيامًا بدورهم في التفكير الإيجابيِ في مجتمع التحضر.

المجتمع المتحضر هو ما يعطي لكل فرد مكانته و حقوقه ويساعده على تحقيق حلمه، فالمجتمع المتحضر ينتج رجلًا متحضرًا وامرأة متحضرة ، والمجتمع الجاهل يسيء لمستقبل أفراده لأنه لا يستوعب مفهوم التحضر ولا يستوعب علاقة ذلك بالثقافة والعقل.