رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطاب دينى جديد


فى البداية أعترض على مسمى تجديد الخطاب الدينى، التجديد هو مصطلح يفهم منه الترميم، والخطاب الدينى الحالى ليس مملوكًا لنا، ولكنه كان مملوكًا لمن أنتجوه وهم أصحاب القرون الثلاثة الأول للإسلام، نخرج من هذا إلى تعريف للخطاب الدينى بأنه يمثل فهم جيلٍ ما فى زمن ما للنصوص الدينية، وبالتالى دعوة المسلمين إلى التعبد لله وفقًا لهذا المفهوم ودعوة غير المسلمين إلى دخول الإسلام وفقًا لهذا التصور.
والأوائل الذين أنتجوا تصورهم وفهمهم النصوص المقدسة إنما أنتجوه وفق ثقافتهم وعلوم عصرهم وأعراف مجتمعاتهم، أما نحن فيجب أن ننتج خطابًا دينيًا يمثل فهمنا نحن للإسلام، وبالتالى الذى يجب أن يحدث هو تغيير الخطاب الدينى بشكل جذرى وحذف المفاهيم الخاطئة تمامًا، فالدين قلنا هو منهجية لفهم سبب وجودنا وخلقنا، لذلك يجب أن نبدأ أولًا بتغيير تصوراتنا عن الذات الإلهية التى تتناولها الديانة اليهودية بصفة التجسيم، وانتقل ذلك إلى السلفية الوهابية عبر تجسيدهم الله فهم يتصورون أن له جسدًا ويدًا ووجهًا.
كما أن هناك حديثًا يقال فيه إن الرسول روى لأصحابه عن حلم له قائلًا: «رأيت ربى فى صورة شاب أمرد جعد عليه حلة خضراء»، وهو ما يتناقض مع القرآن الذى ذكر أن الله ليس كمثله شىء.
أما الأمر الآخر، الذى يجب إعادة النظر فيه هو علاقتنا نحن بالله، والمفهوم السائد عن البشر أنهم عبيد لله، ولكننا إذا نظرنا فى القرآن سنجد أن الله لم يذكر مصطلح العبيد إلا خمس مرات، منها: «وأن الله ليس بظلام للعبيد»، «وما ربك بظلاّم للعبيد»، «وما أنا بظلام للعبيد»، ونلاحظ هنا أن مناسبات الآيات وردت كلها فى مجال اليوم الآخر؛ لماذا؟ لأننا فى اليوم الآخر عبيد ليس لنا من الأمر شىء، أما فى الحياة الدنيا فخاطب الله الناس بالعباد مثل قوله «والله بصير بالعباد»، «يا حسرة على العباد»، «قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم» وغيرها.
والفرق بين العباد والعبيد أن العباد يملكون أمرهم واختياراتهم، أما العبيد فلا يملكون من أمرهم شيئًا، حيث نرى أن الإنسان فى حياته مخير، وفى آخرته لا اختيار له، إذن نحن لا نحتاج إلى تجديد الخطاب الدينى بل تغيير فى رؤيتنا كلها إلى الدين وتأويلاته.
أما آليات هذا التجديد فأولًا يجب الفصل بين الدين السماوى وتأويلات وأفعال من يدينون به، فهناك من فهم الدين على طريقته وفعل الكثير من الأخطاء، فشوه الدين نفسه، ونرى أن رجال الدين يصورون لنا الجنة على أنها مكان لإشباع الرغبات، فهم يخاطبون الرجال عن الحور العين، وكيف أن لكل واحدة منهن ٧٠ ألف وصيفة، وكلهن حلال له؛ ليشبع رغباته، وكأن الجنة مكان وجد فقط لتلك الأمور، وهو ما يعكس هوسًا عميقًا بالجنس، تجسد فى تشويه لصورة الدين أمام العالم، لذلك يجب تحرير النص الدينى من يد رجال الدين ومؤسساته وفتح المجال أمام خطاب عقلانى للفهم.
كما يجب أن نحرر الوقائع التاريخية من قدسية الدين أيضًا، فليست هناك ما تسمى الحضارة الإسلامية فهى حضارة المسلمين، وما حدث بها من انتهاكات وقتل هو من فعل المسلمين وليس الإسلام، كما أنه ليس هناك اقتصاد إسلامى، ولا فن إسلامى، ولا أدب إسلامى وكلها أشياء تنسب للمسلمين أنفسهم لا للدين.
وتلك المصطلحات لم تكن رائجة منذ عشرات السنين، ولكن جماعة الإخوان فى بدايات تكوينها أرادت ما سمته أسلمة المجتمع، فاستبدلوا التحيتين اللتين كانتا «صباح الخير» و«مساء الخير» وغيرهما بالسلام عليكم، وحرم فيما بعد إلقاء السلام عليكم على غير المسلم، مما أحدث طائفية شديدة، واستبدلوا الأفراح بما يسمى بالفرح الإسلامى، واستبدلوا المظهر العام للمجتمع من فتيات بشعورهن إلى فتيات بالحجاب والحجاب نفسه كان يسمى طرحة، ولكنهم غيروها لتصير هكذا، ولغويًا هو مصطلح خاطئ، فالحجاب هو ما يحجب الرؤية من الأساس وهو ما لا يحدث، ولكن كل تلك الممارسات كانت بهدف ما سموه أسلمة المجتمع، وكأنه لم يكن قبل ذلك مسلمًا.
إذن يجب التفريق بين الإسلام كدين وبين تعاملات من يدينون به، ولا يجب اقترانه بالحضارة والتاريخ والفن والاقتصاد وغيرها، وذلك تحرير للنص من أخطاء المسلمين أنفسهم.
ولكنى لا أعتقد أنه يمكن أن يوكل الأزهر بتلك المهمة، لأن الأزهر نفسه ينتمى لتلك المشكلة، ولكن هناك أمورًا أخرى يجب على الأزهر أن يبدأ فى العمل على حلها، وهى مثلًا وضع أسس جديدة علمية لاستبعاد الأحاديث التى نسبت إلى النبى وتخالف النصوص القرآنية، فيجب أن يكون هناك مبدأ ما يخالف القرآن لا يمكن أن يكون حديثًا صحيحًا، كما أنه ما يخالف العقل والمنطق لا يمكن أن يكون حديثًا، فمثًلا هناك أحاديث يقال فيها إن الرسول قال على نفسه جُعل رزقى تحت ظل رمحى، فى حين أن القرآن يقول «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» كما أن هناك حديثًا آخر يذكر أن الرسول كان يمشى بين القبور، فقال لأصحابه «إن هناك اثنين من الناس يعذبان فى القبور، أحدهما كان لا يستنجى من بوله، والآخر يمشى بالنميمة بين الناس»، وهو ما يناقض العقل، فكيف للرسول أن يفضح من ستره ربه، كما كيف أن يطلع على الغيب أيضًا؟ والأمثلة كثيرة.
ومع ذلك فإن الأزهر أمام دور تاريخى إن أراد شيوخه، فأنا مثلا لا أرى سببًا أن يظل المسلمون ملتزمين بالمذاهب الأربعة، ولا يسعون إلى تطوير مذهب جديد يتلاءم مع العصر، ويفند ما جاء عبر مئات السنين فى كتب السيرة والفقه، فمن فسروا الدين هم رجال اجتهدوا فى عصرهم واعترفوا بأنفسهم باحتمالية الخطأ فى اجتهاداتهم.
أما ما ذكر فى كتب البخارى فهو اجتهاد بشرى غير مقدس، ويمكن أن يعرض على القرآن لتنقيحه، بل والأعمق أن يعرض على العقل والمنطق، فلا يصح أن تنسب أحاديث غير منطقية ولا عقلانية إلى رسول الله، فذلك يضر بالدين وبنا ويخلق بيئة معادية لكل القيم المدنية الحديثة.