رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سد النهضة.. قلق يتجدد


بين بداية إنشاء سد النهضة الإثيوبى فى أبريل ٢٠١١، وتولى أبى أحمد على رئاسة وزراء إثيوبيا، فى أبريل ٢٠١٨، حدثت متغيرات إقليمية، واتفاقات ثنائية وثلاثية، اعتقدنا أنها جعلت القيادة الإثيوبية، تستجيب لصوت العقل، وتدرك أن الخيار الأمثل هو تطبيق معادلة «لا ضرر ولا ضرار»، تجنبًا لأى تصعيد عدائى، وحفاظًا على متانة العلاقات بين البلدين.
وفق هذا التصور، تابعنا جولة المفاوضات الثلاثية الجديدة، بين مصر والسودان وإثيوبيا، التى انطلقت فى القاهرة، الأحد الماضى، بعد أن تعطلت بسبب الأحداث التى شهدتها السودان وانتهت بسقوط نظام عمر البشير. غير أننا فوجئنا برفض الجانب الإثيوبى مناقشة القضايا الفنية أو الموضوعية. وبالتالى، اقتصرت المناقشات على الأمور الإجرائية، ولم يحقق الاجتماع أى تقدم.
رسميًا، أعلنت وزارة الموارد المائية والرى، فى بيان أصدرته الاثنين الماضى، أن المحادثات فشلت فى حل النقاط الخلافية. وخلال المؤتمر الصحفى المشترك الذى عقده، سامح شكرى، وزير الخارجية، الثلاثاء، مع نظيره الفرنسى، جان إيف لودريان بالقاهرة، أبدى شكرى دهشته من عدم تناول الاجتماع للقضايا الفنية، بعد انقطاع دام لأكثر من ١٥ شهرًا، على الرغم من حضور الكوادر الفنية بوزارات رى الدول الثلاث. ومجددًا، أكد شكرى أننا منفتحون على المشاورات للوصول إلى اتفاق يحقق مصالح الدول الثلاث، «أما إذا كان الهدف مزيدًا من إضاعة الوقت للوصول إلى نقطة لا يمكن بعدها الوصول إلى حل، فهذا أمر آخر».
أبرز النقاط الخلافية، كانت ولا تزال، تتعلق بعدد سنوات ملء خزان السد الذى تريده القاهرة من ٧ إلى ١٠ سنوات، لدفع الضرر عن دولتى المصب «مصر، والسودان»، بينما لا تزال أديس أبابا تصر على أن يكون سنتين أو ثلاثًا فقط. الأمر الذى يتناقض مع إعلان المبادئ، الذى تم توقيعه فى مارس ٢٠١٥، وتضمّن اعترافًا إثيوبيًا بمبدأ عدم الضرر فى وثيقة وقعها رئيس الوزراء الإثيوبى السابق هيلى ماريام ديسالين. لكن طوال السنوات الأربع الماضية لم يحدث تقدم ملموس بشأن ما تم التعهد به فى هذا الاتفاق أو إعلان المبادئ.
قبل أن يمر شهر على تولى «أبى أحمد» السلطة، انعقد اجتماع تساعى بأديس أبابا، كان بين مخرجاته التأكيد على أهمية تذليل أى عقبات أمام التوصل إلى تفاهم يضمن تحقيق المصالح التنموية لإثيوبيا والحفاظ على أمن مصر المائى. وفى مايو الماضى، تم الاتفاق على تأسيس مجموعة دراسة علمية تقدم استشاراتها بشأن ملء السد. لكن، لم يحدث، أيضًا، أى تقدم منذ ذلك الحين. وفى أكثر من مناسبة، محلية ودولية، أعرب وزير الخارجية عن عدم ارتياح مصر من طول أمد المفاوضات، ومن تشدد الجانب الإثيوبى وعدم تفاوضه بالقدر المطلوب من الإخلاص.
إلى جانب الخطوات والمبادرات الجادة، التى انتهجها رئيس الوزراء الإثيوبى، لتعزيز الاستقرار والسلام وحل مشكلات بلاده مع دول الجوار، شهدت السياسة الإثيوبية، منذ توليه السلطة، تغيرًا كبيرًا فى ترتيب الأولويات. ومع الإصلاحات السياسية والاقتصادية، جاءت مساعيه لتخفيض حالة التعبئة العامة، التى صاحبت عملية بناء السد، والتى ‏كانت تمنع الحكومة الإثيوبية من إبداء أى مرونة فى مفاوضاتها مع مصر. لكن ما لا يمكن تجاهله هو أن هناك معارضة داخلية لمشروع «أبى أحمد» الإصلاحى، خاصة من تلك الفئات التى خسرت امتيازاتها، وتضررت من ‏وقف تهريب الأموال والأسلحة إلى الخارج والداخل.‏
مشروع سد النهضة، بدأ تنفيذه منذ ثمانى سنوات، وصاحبت مراحل إنشائه ألغاز عديدة، سبق أن توقفنا عند بعضها، أبرزها لغز محمد العمودى أو «الشيخ مو»، رجل الأعمال السعودى ذى الأصول الإثيوبية، أبرز وأكبر ممولى مشروع السد، الذى يملك «معظم إثيوبيا»، وطالته ‏اتهامات عديدة بالفساد وتمويل الإرهاب عبر جمعيات خيرية «مشبوهة»، ‏وكان بين من احتجزتهم السلطات السعودية، فى نوفمبر ٢٠١٧، ضمن حملة مكافحة الفساد. وهناك أيضًا لغز اختفاء «مليار دولار» من ميزانية المشروع، وانتحار «أو اغتيال» المدير التنفيذى للمشروع، فى يوليو ٢٠١٨، الذى تزامن مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبى وجود مشكلات تعرقل بناء السد وتهدد بعدم إتمام بنائه فى الموعد المحدد.
المفاوضات مستمرة، والنقاط الخلافية ما زالت قيد النقاش والتباحث، ومن المفترض أن تعقد المجموعة العلمية المستقلة، اجتماعًا حاسمًا فى الخرطوم خلال الفترة من ٣٠ سبتمبر الجارى إلى ٣ أكتوبر المقبل، على أن يتم عرض نتائج ذلك الاجتماع على وزراء المياه بالدول الثلاث يومى ٤ و٥ أكتوبر، لإقرار مواضع الاتفاق على قواعد ملء وتشغيل السد. وإلى أن يحدث ذلك، ستظل ‏الأبواب والشبابيك مفتوحة، على مصراعيها، أمام كل الاحتمالات، وأمام استخدام «كروت» ضغط، لا يوجد أدنى شك فى أن مصر لديها الكثير منها.