رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأن كلاهما مُلوّن

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

ألوان زاهية، حكايات مؤثرة، ضحكات صاخبة، شخصيات مختلفة ودموع تحت القناع الملون.. هذا باختصار عالم السيرك المُبهر الذي قدمته السينما العالمية في عشرات الأعمال الناجحة،حيث استعانت بهذا العالم المُثير والثري والممتلئ بالتفاصيل المُلهمة لصناعها.

1
يُعّد السيرك أقدم الأشكال الترفيهية والفنون الأخّاذة التي تعرفها الثقافات منذ بداية الحضارات، خاصة الحضارة الرومانية التي اشتهرتبـ"مصارعة الموت" التي كانت تُقام بين العبيد المحكوم عليهم بالإعدام، فيُصارع أحدهما الآخر حتى الموتأمام الجمهور في حلبة المصارعة،أو صراع الإنسان ضد واحد من الحيوانات الخطيرة مثل الدب أو الأسد.أبرزت السينما عالم السيرك والبهلوانات منذ بداياتها الأولى، خاصة السيرك بمفهوم الترفيه الـ"كازانوفي" إذا جاز التعبير، وليس الصراع الروماني.

2
اتخذت أفلام السيرك مُنحنى فلسفي في المعالجة من حيث الشكل والمضمون، ولاسيما النتائج، وظهر ذلك من خلال فيلم "السيرك" 1928 لشارلي شابلن، والذي يُعّد من أوائل الأفلام التي قدمت عالم السيرك، وأفلام أخرى لا تدور في هذا العالم؛ ولكن يحصل على مساحة فلسفة ملونة بكل ألوان الفرح والألم، حصل المهرج على الاهتمام الأكبر وسط باقي أفراد عائلة السيرك من لاعبي الأكروبات ومروضي الحيوانات والساحر؛ بينما تظل فقرة البهلوان هي الفقرة الأهم والمنتظرة دائمًا، كان لهذه الشخصية المُلهمة نصيب الأسد -رغم رغم اتسامه بالجُبن- في تقديمه بأشكال مختلفة في السينما العالمية بعد شابلن، البهلوان الأقدم بشكله الضاحك الباكي الُمثير للضحك والتعاطف في الوقت نفسه؛ ومن أبرز بهلوانات السينما كان فيلم "لا سترادا" أو "الطريق" للإيطالي فدريكو فلليني 1954 كأول جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي من ضمن جوائز الأوسكار الحاصل عليها، حيث بداية المدرسة "الفلينية" المرتبطة بالسريالة والخروج عن النمط، وساعده في ذلك الاستعانة بعالم السيرك وتقديم أنطونيو كوين شخصية "زامبانو " بحرفية مُبهرة إلى حد بعيد.

3
بالفعل قدمت السينما المصرية أفلام عن عالم السيرك والبهلوانات، والتي سبقت فيلم فيلليني ببضعة سنوات مثل أفلام"فتاة السيرك" عام 1951 من تأليف وإخراج حسين فوزي، والذي جسّدت فيه نعيمة عاكف دورها في الحقيقيةفي الفيلم أمام كل من عبد السلام النابلسي وإبراهيم حمودة وشكوكو؛ وفي عام 1968 قدّم عاطف الطيب فيلم "السيرك" بطولة حسن يوسف وسميرة أحمد ونبيلة عبيد، لينقل الفيلم صورة متكاملة عن قصص شخصيات عالم السيرك، في حين استعان عدد من المخرجين المصريين بشخصية البهلوان الرئيسية والُملهمة في المقام الأول، مثل داود عبد السيد في فيلم "أرض الأحلام" وأضاف إليه ألعاب السحر،إلى جانب كونه بهلوان والذي لعب دوره يحي الفخراني أمام فاتن حمامة، وكذلك في آخر أفلامه "قدرات غير عادية"، الذي استخدم مجموعة من أفراد السيرك المتنقل الذين يرتدون الألوان المبهجة في وسط سكان فندق ساحلي من الفنانين، وأدى دور البهلوان محمد عبد الفتاح "كلابالا"، مما أضاف ثراء وعمق فلسفي لمحتوى الفيلم؛ وكذلك لم تمر فكرة البهلوان من بين بنات أفكار العالمي يوسف شاهين، ففي فيلم "عودة الابن الضال" كان للفنان علي الشريف دورًا مُهمًا في لعب دور بهلوان القرية الذي تُقال على لسانه الحكم والمواعظ التي أراد المخرج أن يُمررها دون استخدام المباشرة أو طريقة الخطاب الموجهة لعنصر سياسي أو اجتماعي بعينه.

هكذا، حاولت في تفسير مختصر الحديث عن فكرة البهلوان وعلاقته بالسينما من حيث الألوان والمشاعر المختلطة والنتائج الفلسفية؛ لكن ربما للأمثلة على ذلك بقية في انتظار اكتشافها والخوض في أعماقها، فكل منا بهلوان ضاحك وداخل صدره جروح لا تُشفي سوى عن طريق السينما، والسينما مرآة الروح الكاشفة عن أعماقنا.