رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس.. بين سعيد والقروى


النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التونسية، التى جرت الأحد الماضى، تقول إن المنافسة فى الجولة الثانية ستكون بين قيس سعيد، أستاذ القانون، غير المنتمى، ظاهريًا أو على الورق، لأى من الأحزاب الكثيرة القائمة، ورجل الأعمال نبيل القروى، رئيس حزب «قلب تونس» حديث التأسيس، والمحتجز منذ ٢٣ أغسطس الماضى، لاتهامه بالتهرب الضريبى وغسل الأموال.
فى ثانى انتخابات رئاسية تشهدها تونس، منذ الإطاحة بنظام زين العابدين بن على، تنافس ٢٦ مرشحًا، بينهم امرأتان، انسحب اثنان منهم قبل بدء عملية التصويت. وعلى المرشحين الـ٢٤ توزعت أصوات ٣ ملايين، أدلوا بأصواتهم فى حوالى أربعة آلاف مركز انتخابى، قام بتأمينها أكثر من ٥٣ ألف رجل أمن، وبعض المروحيات، بالإضافة إلى وحدة بحرية تولت نقل أوراق الانتخاب ومستلزمات العملية الانتخابية إلى الأماكن النائية.
الملايين الثلاثة، هم ٤٥٪ ممن يحق لهم التصويت والبالغ عددهم نحو ٧ ملايين ناخب: ٦ ملايين و٦٨٨ ألفًا و٥١٣ داخل تونس، و٣٨٦ ألفًا و٥٣ ناخبًا خارجها. ومع هذا الإقبال الضعيف، أدى عدم توافق معارضى حركة النهضة على مرشح واحد، إلى تفتيت الأصوات. وبالتالى، لم يحصل عبدالكريم الزبيدى، وزير الدفاع المستقيل، إلا على أقل من ١٠٪، فى حين حصل مرشح الحركة، عبدالفتاح مورو، على ١٣٪، ليحل ثالثًا فى الترتيب. أما المنصف المرزوقى، الرئيس السابق، فوصف النسبة التى حصل عليها بأنها مخيبة للآمال، وكتب فى حسابه على «فيسبوك» إنه «يتحمل كامل مسئولية فشله فى إقناع الناخبين بشخصه وببرنامجه».
المرزوقى كان قد تولى الحكم، فى ديسمبر ٢٠١١، مختارًا من «المجلس الوطنى التأسيسى» الذى كان تحت سيطرة الإخوان، ثم خسر فى الانتخابات الرئاسية الأولى، أمام الرئيس الراحل الباجى قايد السبسى، الذى عانت البلاد طوال فترة حكمه من هجمات إرهابية ومشكلات اقتصادية، كما خرج المتظاهرون إلى الشوارع احتجاجًا على سوء الأوضاع وعلى إجراءات التقشف التى كان يوسف الشاهد، رئيس الحكومة الذى حل خامسًا فى الانتخابات الحالية، يقول إنها ضرورية. وبالإضافة إلى ذلك كله، كانت هناك شواهد كثيرة على أن المال الفاسد، أتاح لمشبوهين وفاسدين، أن يكونوا فاعلين سياسيين أو جزءًا من تركيبة الحكم.
سبقت حكومة الشاهد، منذ الإطاحة بـ«بن على» ثمانى حكومات، بدت فى ظاهرها معادية للإخوان، لكنها التزمت بتوجيهاتهم، ومكنتهم من وضع أيديهم على مفاصل الدولة. وكنا قد نقلنا عن حمة الهمامى، مرشح ائتلاف الجبهة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية، أن إشراك الإخوان فى تلك الحكومات فرضه صندوق النقد الدولى وأطراف غربية. ونقلنا عنه أيضًا أن الأحزاب التى شاركت فى الحكم لم تمثل المصالح الوطنية، بل ٢٤٠ عائلة، تتحكم فى شرايين الاقتصاد والتجارة، وأنه لم يحدث أى تغير جدى وجوهرى فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وهو الكلام الذى أكدته «أرقام المديونية والعجز التجارى والتضخم والبطالة والفقر» وبـ«الأوبئة» التى «عادت إلى تونس مع تدهور الخدمات الصحية».
أملًا فى الوصول إلى قصر قرطاج، بشكل صريح أو عبر «أراجوز»، خاضت حركة النهضة الانتخابات بخمسة مرشحين، توزعت عليهم تزكيات أعضاء الحركة فى البرلمان، البالغ عددهم ٦٨ نائبًا، ولم يكن «سعيد» بين هؤلاء. لكن بمجرد إعلان النتائج الأولية، تردّد أن الحركة دعمته ودعت أعضاءها للتصويت لصالحه. إذ كانت كل التوقعات، أو غالبيتها، تشير إلى أن المنافسة تنحصر بين عبدالكريم الزبيدى، ويوسف الشاهد، وعبدالفتاح مورو، والمنصف المرزوقى. وإلى هؤلاء أضفنا «القروى»، الذى أوضح رئيس الهيئة العليا للانتخابات، أنه لم يخرج من السباق لعدم صدور حكم قضائى بإدانته فى الاتهامات التى تم احتجازه بموجبها.
بأصوات ٦٠٠ ألف تقريبًا، أى نحو ١٩٪ من أصوات الناخبين، جاء قيس سعيد (٦١ سنة)، فى المركز الأول، وهو كما أشرنا، أستاذ جامعى متخصص فى القانون الدستورى، يوصف بـ«الروبوكوب» أو الرجل الآلى ويصنفه مراقبون على أنه محافظ، ويراه البعض قريبًا من حركة النهضة أو من حزب «التحرير» السلفى المحظور. وفى المركز الثانى جاء نبيل القروى بـ١٥٪ الذى ركزت حملته على محاربة الفقر، مقابل اتهام منتقديه له بالفساد وبسوء استغلال جمعية خيرية، أسسها بعد وفاة نجله، وقناة تليفزيونية يمتلكها. بينما يصر حزبه، حزب «قلب تونس»، على أن هذه الاتهامات ملفقة من «عصابة داخل الدولة» تريد إقصاءه وإزاحته حتى تتمكن من الانقضاض على الحكم.
عاجلًا أو بعد فوات الأوان، سيحسم القضاء التونسى هذا الجدل. وما لم يجد جديد، كاستبعاد القروى، مثلًا، سواء بصدور حكم قضائى، أو بأى حيلة قانونية أخرى، فإن الجولة الثانية ستجرى فى ٢٩ سبتمبر الجارى بينه وبين قيس سعيد، وغالبًا سيظهر من ينصحون التونسيين بـ«عصر الليمون» واختيار السيئ لا الأسوأ!.