رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللعب الأمريكى مع طالبان



إلى لا شىء، انتهت المفاوضات الأمريكية مع حركة «طالبان»، التى كانت واشنطن تأمل فى أن تنتهى بتوقيع اتفاق بين الطرفين، على حساب طرف ثالث، بحلول الأول من سبتمبر، أو على الأكثر قبل الانتخابات الرئاسية الأفغانية المقرر إجراؤها خلال أيام!.
فى خطاب ألقاه فى مبنى وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» بواشنطن، زعم الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، أنه أوقف المحادثات مع «طالبان»، وألغى الاجتماع الذى كان مقررًا انعقاده، منذ أسبوع تقريبًا، مع قادة من الحركة فى «كامب ديفيد» بسبب تفجير تبنته «طالبان» فى كابول، أودى بحياة جندى أمريكى واحد و١١ مدنيًا آخرين، بالإضافة إلى جندى رومانى يعمل فى إطار القوات التى تقودها الولايات المتحدة فى أفغانستان.
بدا الرئيس الأمريكى وكأنه فوجئ بهذا التفجير، مع أن تفجيرات وهجمات «طالبان» لم تتوقف طوال الـ١٨ سنة الماضية، أو منذ الغزو الأمريكى لأفغانستان. بالإضافة إلى أنشطة تنظيم «القاعدة» وفرع «داعش» فى أفغانستان، الذى ظهر فى صيف ٢٠١٤، ويشير فرع أفغانستان إلى نفسه باسم «ولاية خراسان». والثابت، هو أن الحركة رفضت كل دعوات إعلان وقف إطلاق النار، بل قامت بتكثيف هجماتها خلال جولات المفاوضات التسع مع الولايات المتحدة و«طالبان» التى كادت تنتهى بتوقيع اتفاق يقضى بانسحاب جزء كبير من القوات الأمريكية، مقابل تعهد الحركة بعدم تمكين تنظيم القاعدة من شن هجمات فى الداخل أو فى الخارج.
فى أبريل الماضى، مثلًا، قالت «طالبان»، فى بيان، إن مقاتليها نفّذوا هجومًا ناجحًا على قاعدة «باجرام» كبرى القواعد الجوية الأمريكية فى أفغانستان، الواقعة على بعد ٥٠ كيلومترًا شمالى كابول، سقط فيه العشرات بين قتيل وجريح. ومنتصف يونيو الماضى، نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن مسئولين أمريكيين وأفغان أن تنظيم «داعش» يعمل على توسيع نطاق وجوده فى أفغانستان ويقوم بتجنيد مقاتلين جدد. كما يقوم أيضًا بالتخطيط لشن هجمات ضد الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وقبلها، قال جنرال البحرية الأمريكية، فرانك ماكنزى، فى ١٢ يونيو، إن تنظيم داعش فى أفغانستان يمثل تهديدًا مقلقًا جدًا للولايات المتحدة. وأوضح الرجل الذى يقود العمليات العسكرية الأمريكية فى منطقة الشرق الأوسط، أن جهود مكافحة الإرهاب الأمريكية لم تتمكن بعد من تقليص طموحات ذلك التنظيم!.
المسئولون الأمريكيون فى كابول اعتادوا التقليل من شأن هجمات طالبان. وسبق أن نقلت وكالة «رويترز» عن مسئول كبير فى وزارة الدفاع الأفغانية أن الحكومة كثيرًا ما تقلل أعداد الخسائر البشرية فى صفوف القوات الأفغانية، وتسارع بإعلان أرقام مَن تقول إنها قتلتهم من رجال «طالبان». الأمر الذى أرجعه جاويد هميم كاكار، إلى الحرب الدعائية التى وصفها بأنها جزء من المعركة، وأكد أن طالبان بارعة فيها. «كاكار»، أحد كبار محررى وكالة باجووك الأفغانية، أقدم وكالات الأنباء الخاصة فى البلاد، أكد أن الحركة أقامت منذ تسعينيات القرن الماضى شبكة معقدة لنشر أخبارها. لكنه أشار إلى أنه كثيرًا ما يتشكك فى مصداقية تلك الأخبار بسبب نزوعها إلى تضخيم أرقام الخسائر البشرية فى صفوف قوات التحالف.
النشاط الإعلامى لحركة «طالبان»، سلاح رئيسى فى المعركة أو فى اللعبة. وقبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعى كانت الحركة ترسل منشورات مكتوبة بخط اليد وتقارير إخبارية إلى الصحفيين الأفغان المقيمين فى باكستان وأفغانستان. لكن منذ ٢٠١١ بدأت قيادة «طالبان» فى نشر تدوينات وتغريدات بانتظام على شبكتى «فيسبوك» و«تويتر»، ولاحقًا شملت أدوات التواصل تطبيقات «واتساب» و«فايبر» و«تليجرام».
النكتة، هى أن مقاتلى طالبان يعملون صحفيين فى أقاليم البلاد، البالغ عددها ٣٤ إقليمًا، ويرسلون أخبارهم وتقاريرهم، يوميًا، عن أعمال القتال الليلية مع القوات الأمريكية والأفغانية، إلى ذبيح الله مجاهد، كبير المتحدثين باسم حركة «طالبان»، رئيس تحرير نشرتها الإخبارية اليومية، التى تصدر بخمس لغات، مدعومة بمقاطع فيديو وصور يتم التقاطها بالتليفونات المحمولة. يبدأ نشرها فى حساب مجاهد على «تويتر» الذى يتابعه ٤٢ ألفًا، وتستهدف تلك النشرة تسليط الضوء على ما تصفه الحركة بأنه انتصارات «فى الحرب الفعلية والحرب الرقمية على الكفار والنظام الألعوبة الذى أقامه الأمريكيون لحكم أفغانستان».
وتبقى الإشارة إلى أن جولات المفاوضات التسع استضافتها العاصمة القطرية الدوحة، وغالبًا تحملت العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة تكاليفها: تكاليف الإقامة والنقل. بعد أن فشلت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» فى تمرير مشروع قانون يسمح لها بدفع تلك القيمة، وبعد أن رفض الكونجرس مقترحًا بإدراجها مع مبالغ أخرى لقادة «طالبان»، تحت بند دعم أنشطة التسوية، فى موازنة سنة ٢٠٢٠، لأن لجنة الاعتمادات الدفاعية بمجلس النواب الأمريكى، رأت أن تسديد نفقات أو مصاريف «طالبان» يخالف قانون منع تقديم دعم مادى للجماعات الإرهابية.