رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا ينتحر وائل



وائل سعيد عباس غنيم، المواطن الأمريكى المقيم فى مدينة ماونتن فيو، بولاية كاليفورنيا، اعترف بالصوت والصورة أنه يتعاطى المخدرات. وربما دخل بسببها، أو لأسباب أخرى، فى حالة اكتئاب، تصيب حوالى ٧٪ من عدد البالغين فى الولايات المتحدة الأمريكية.
تعليقًا على الفارق بين صورتين لوائل، إحداهما حديثة والأخرى تعود إلى سنة ٢٠١١، كتب «متثاقف ممحون»، كان مستشارًا لمحمد مرسى العياط، أن «هذا ما جرى لكثير من المصريين (وإن أنكروا)، أو بالأحرى لشبابهم. هذا ما يفعله الإحباط، واليأس، والمرارة، والارتباك، والإحساس بالعجز». زاعمًا أن «الخاسر الأول هو مستقبل هذا البلد».
أى بلد؟! وما علاقة المصريين، شبابهم أو عواجيزهم، بالموضوع؟!
المذكور، مواطن أمريكى يقيم فى الولايات المتحدة. وكان يعمل لدى شركة جوجل، وتركها ليطلق منصة إلكترونية اسمها «بارليو» Parlio، استحوذت عليها، فى أبريل ٢٠١٦، شركة «كورا» Quora الأمريكية. وبين المرحلتين، لعب دورًا فى «ثورة ٢٥ يناير»، التى أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، شاركه فيه مواطن أمريكى آخر اسمه جاريد كوهين، عمل فى مكتب وزيرتى الخارجية الأمريكيتين السابقتين، كوندوليزا رايس وهيلارى كلينتون، وكان زميلًا لوائل فى شركة «جوجل»، وتم إلقاء القبض عليهما معًا، فى أحد مطاعم الزمالك، مساء الخميس ٢٧ يناير ٢٠١١، أى قبل ساعات من «جمعة الغضب». ثم «توالت الأحداث عاصفة» كما قال عنوان المسلسل التليفزيونى القديم، الذى أخرجه حسام الدين مصطفى سنة ١٩٨٢، ومن محاسن الصدف أن من شاهدوه، قد لا يتذكرون منه غير عبارة، اعتاد رئيس العصابة أن يبدأ بها مكالماته التليفونية مع الضابط الذى يطارده: أنا البرادعى يا رشدى.
لو أحسنت الظن بوائل، ستجد أنك أمام مشكلة أمريكية بحتة، تعكس الصورة القاتمة للصحة العقلية للأمريكيين، التى جعلت معدل الانتحار فى الولايات المتحدة يبلغ أعلى مستوياته منذ الحرب العالمية الثانية، طبقًا لدراسة أجراها المركز الأمريكى لمكافحة الأمراض والوقاية منها، فى ٢٠ يونيو الماضى، أشارت إلى أن الوضع يزداد سوءًا، وأن معدل الانتحار فى الولايات المتحدة يتزايد بشكل مرعب. وأوصت بوضع سياسات ترتكز على زيادة الدعم الاقتصادى وتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للانتحار ومساندتهم.
سنويًا، ينتحر أكثر من ٤٥ ألف أمريكى، ويتم تسجيل حوالى مليون ونصف المليون محاولة انتحار. وتختلف المعدلات، بشكل واضح، باختلاف الولاية. وظهر العديد من النظريات التى تحاول تفسير هذا الاختلاف الكبير وتربطه بالحالتين الاجتماعية والاقتصادية. وهناك دراسات عديدة شككت فى تلك النسب وأكدت وجود حالات كثيرة لا يتم تسجيلها أو الإبلاغ عنها، بسبب وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالانتحار. وفى محاولة لمواجهة تلك الظاهرة وضعت الولايات المتحدة استراتيجية وطنية تتكون من أحد عشر هدفًا.
الانتحار مؤشر صارخ على سوء الصحة العقلية. لكن هناك أيضًا مؤشرات أخرى، بينها الجرعات الزائدة من المخدرات التى تحصد ٧٠ ألف مواطن سنويًا. ومنتصف نوفمبر الماضى نشرت مجلة الطب، التى تصدرها كلية الأطباء الأمريكية، دراسة قدرت العدد بنحو ٦٤ ألف حالة، وأشارت إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تحتل المركز الثانى، بعد إستونيا، من حيث ارتفاع معدلات تعاطى المخدرات سنويًا: ٤.٣٪ سنويًا للذكور، و٥.٣٪ سنويًا للإناث.
زيادة حالات الانتحار والوفاة بجرعات المخدرات الزائدة دفعت بعض المختصين إلى التأكيد أن الولايات المتحدة تعانى من وباء فى تراجع الصحة العقلية، أرجعوه لعدة أسباب أبرزها نقص المؤسسات العلاجية وغياب السياسات التى تضع محددات لتشخيص المشكلة وعلاجها، فى مقابل زيادة التحديات المعيشية، وارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وانتشار المواد المخدرة سريعة الإدمان، وكذا الآثار المدمرة لشبكات التواصل الاجتماعى.
الظهور قبل الأخير لوائل غنيم، كان فى يوليو الماضى، حين تفاعل بعلامة الحب، أى بـ«قلب»، مع تغريدة كتبها علاء مبارك، نجل الرئيس المصرى الأسبق، وجه فيها رسالة شكر لكل من سألوا عن صحة والده أو حاولوا الاطمئنان عليه، الأمر الذى أثار موجة من السخرية. وبظهوره الأخير، حليق الرأس والحاجبين، أحدث ردود أفعال متباينة، كان أبرزها تغريدة كتبتها ليليان داود، التى يستعملها حاليًا لدى تنظيم الإخوان، وصفت فيها المذكور بأنه «ابننا وحتة من القلب»، وأكدت أنه فى حاجة إلى «طبطبة». والأهم هو تحذيرها بأن «مفيش حد هيرحمنا لو وقعنا».
ابنهم وقطعة من قلبهم، فعلًا، ولن يرحمهم أحد حال سقوطهم. وقطعًا سيسقطون. وإلى أن يحدث ذلك، نشير إلى أن هرمون «الأوكسيتوسين»، الذى يفرزه جسم الإنسان عندما يحتضن آخر، له تأثير إيجابى فى علاج المرض النفسى، وتحديدًا مرضى اضطراب الشخصية الحدّى، بحسب موقع «هايلبراكسيس» الألمانى. وعليه، فإن «وائل» قد يتراجع عن الانتحار، وقد تنتهى كل مشكلاته النفسية بـ«حضن جامد» من «ليليان» أو ممّن يستعملونها.