رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المراجعات الغربية لعلاقة الإخوان بالإرهاب


إدارة ريجان وسعت النشاط الدولى لـ«جماعة الإخوان»، خلال الحرب الباردة، لتوظفها فى تجنيد جيش من المجاهدين، قادر على هزيمة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، توطئة لإسقاطه ١٩٨٩، ما أقنع المخابرات الأمريكية بجدوى استغلالها كإحدى أدوات تعزيز المصالح الأمريكية فى العالم.
بعد هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، بدأت مراجعة المخاطر التى تشكلها «الجماعة» على الأمن القومى الأمريكى، لكنها لم تكتمل؛ لأن الإدارة الأمريكية كانت تعتبرها «المشروع البديل» لأنظمة الحكم بالمنطقة.. إدارة أوباما مكَّنَت «الإخوان» بالداخل الأمريكى، فاخترقت الخارجية الأمريكية من خلال «هوما عابدين» مستشارة هيلارى كلينتون.. وصولها للسلطة فى مصر ٢٠١٢، شجع أوباما على تنفيذ مخطط برنارد لويس لتفتيت دول المنطقة. أمريكا احتفظت بعلاقاتها الخاصة مع «الجماعة» رغم سقوطها ٢٠١٣، ما أدى لإشكاليات فى علاقتها بمصر، تفاقمت بعد تصنيفها كجماعة إرهابية، لكن الظهور الصريح لجناحها العسكرى بقيادة محمد كمال، وتفريخه عددًا من التنظيمات الإرهابية «حسم، لواء الثورة، كتائب حلوان..»، دفع الخبراء خلال جلسات استماع الكونجرس حول تصنيف «الإخوان» كمنظمة إرهابية ٢٠١٨ لتأييد ذلك، ودعمه بالأدلة.. البيت الأبيض كشف فى مايو ٢٠١٩ عن سعى ترامب لإدراج «الجماعة» كتنظيم إرهابى، بعد أن تأكد خروج كل الحركات والتنظيمات الإرهابية من عباءتها.. واللجنة الفرعية للأمن القومى التابعة للكونجرس نظمت جلسات استماع حول «التهديد العالمى للإخوان» يوليو ٢٠١٩، تناولت المخاطر التى تمثلها على المصالح الأمريكية فى العالم. لكن نفوذ «الإخوان» فى أمريكا قادر على عرقلة القرارات، من خلال العمل الأهلى، والعناصر التابعة للتنظيم الدولى داخل مفاصل الإدارة الأمريكية، خاصة وزارة الخارجية والحزب الديمقراطى، بخلاف من يخضعون لقوة المال التى تمتلكها «الجماعة»، إضافة للقوة التصويتية لأعضائها، حتى إن الجمعية الأمريكية المسلمة، التى أسسها التنظيم فى فولز تشيرش بولاية فرجينيا، حثت أعضاءها على دعم نائبتى الكونجرس إلهان عمر ورشيدة طليب، فى مواجهة الانتقادات المتعلقة بمعاداتهما للسامية، وعلاقتهما بجماعات وأفراد على صلة بتنظيمات إرهابية.. الخارجية الأمريكية تتذرع فى معارضتها تصنيف «الإخوان» كجماعة إرهابية بتوليها الحكم فى تركيا «حزب العدالة والتنمية»، وتونس «حزب النهضة»، وتمثيلها فى برلمانى الأردن والبحرين، وتمتعها بحرية الممارسة السياسية فى المغرب والسودان، والرعاية التى تحظى بها فى قطر، مقر أكبر القواعد العسكرية الأمريكية بالخليج.. هذه الدول حليفة لواشنطن، والتعامل معها بعد تصنيف الإخوان «إرهابية» يثير إشكاليات سياسية ودبلوماسية معقدة. التحقيقات فى بريطانيا بخصوص علاقة «الإخوان» بالإرهاب بدأت منذ سنوات، تم خلالها حصر وقائع وشبهات كانت كفيلة بوصم الجماعة، لكن ذلك لم يحدث، لأنها صنيعة المخابرات البريطانية، وتشكل إحدى الأدوات التى تعتمد عليها الدولة فى سياستها بالمنطقة، وعناصر «الإخوان» يعتبرون ركيزة لشبكات التجسس وأنشطة العمليات التى توظفها المخابرات البريطانية.. رغم ذلك هناك تساؤلات عن وضع «الجماعة» بعد تولى بوريس جونسون منصب رئيس الوزراء، وزعامة حزب المحافظين يوليو الماضى، وذلك على ضوء ما ذكره فى كتابه عن الإمبراطورية الرومانية الصادر ٢٠٠٦، من أن «الإسلام قد تسبب فى تخلف الدول الإسلامية عن الغرب»، وإن كان تأثير ذلك فى تقديرى محدودًا للغاية، لأن حزب المحافظين البريطانى لديه علاقات قوية مع «الإخوان»، التى ساعدت الحزب فى العديد من الجولات الانتخابية، من خلال حشد الناخبين المسلمين لدعم مرشحيه.. وشتان بين فكر جونسون ككاتب، وسلوكه كمسئول تنفيذى، تدفعه المصلحة، وتحركه الأجهزة.. البرلمان الفرنسى اتخذ إجراءات تصعيدية ضد مؤسسات قطرية متورطة فى نشر أفكار «الإخوان» المتطرفة، والحكومة أغلقت المدارس والجمعيات التى لا تمتثل للقانون، وتم تعزيز مراقبة الأموال الآتية من الخارج.. كتاب «أوراق قطر» للصحفيين الفرنسيين كريستيان شيسنو وجورج مالبرونو رصد المكافآت السخية، والتمويلات التى تقدمها الدوحة لمشاريع «الإخوان»، عبر «مؤسسة قطر الخيرية».. إيرينا تسوكرمان الباحثة فى الشئون الأمنية، أكدت أن قطر قامت ببناء عدد من المساجد فى فرنسا، وجندت أئمة للإشراف عليها، وأسهمت فى توجيه المسلمين وفقًا لتعاليم «الإخوان».. الدوحة وأنقرة شكلتا لجانًا إلكترونية على شبكات التواصل، لاستدراج الشباب الساخط على السياسة الفرنسية.. وصحيفة ليبراسيون كشفت عن أن طارق رمضان، حفيد حسن البنا مؤسس «الإخوان»، الذى حوكم بتهمتى اغتصاب فى فرنسا وسويسرا، والذى كان يدير مركزًا للدراسات الإسلامية فى الدوحة ٢٠١٢، يتلقى راتبًا شهريًا ضخمًا من قطر حتى الآن. الدول الغربية بدأت مراجعة وضع «الجماعة»، ومشروعية نشاطها، لكنها لن تنتهى بإدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية، بسبب قوة التيار الرافض، وإذا ما فرضت الضغوط السياسية اتخاذ القرار فقد لا تصحبه عقوبات، مما يجعله عديم الأثر.. توقيع عقوبات اقتصادية على المخالف، وتقييد حرية انتقال الشركات والأفراد الذين تثبت صلتهم بـ«الإخوان»، ومنع المؤسسات الدولية من التعاون معها، وإلزام الدول الحليفة بطرد عناصرها خارج أراضيها.. كلها عقوبات يصعب تطبيقها، لحاجتها إلى أجهزة تفتيش ومتابعة ورقابة دقيقة.. الأجهزة الأمنية أيضًا تقف حجر عثرة ضد ذلك التصنيف، لأنه يحرمها من توظيف عناصر الجماعة بأعدادهم الكبيرة وانتشارهم الواسع كمصادر للمعلومات وكمندوبى عمليات. أبسط وسائل عرقلة اتخاذ القرار تستند إلى أن القوانين الأمريكية تتعامل مع الإرهاب على أساس أنه «أفعال»، وليس «توجهًا أيديولوجيًا»، وتلك قضية محورية، فضلًا عن الاستناد إلى ما تثيره عملية توزيع الأدوار تنظيميًا داخل «الجماعة» من بلبلة؛ فداخلها منظمات أهلية تمارس العمل الخيرى، وخلايا تمارس الإرهاب، وتنظيمات حزبية وطنية تخضع لتوجيه التنظيم الدولى، الذى يمارس نشاطه فى الأطر السياسية المتاحة، وكذا استثمارات مالية فى أنشطة يصعب اتخاذ قرار بتصفيتها لتأثيرها السلبى على الاقتصاد، وكيانات إعلامية، تخضع لها لجان إلكترونية للعمل على مواقع التواصل، تعدد الأوجه يستخدم مبررًا لعدم إدراجها. المهم بالنسبة لنا عدم التوقف عن ممارسة الضغوط لتحقيق ذلك، وعدم الاعتماد على الإعلام فى كشف علاقة الإخوان بالإرهاب، ولا على الجهود المتواضعة لبعض منظمات المجتمع المدنى، إنما نعتمد على التعاون القائم بين أجهزة الأمن والمعلومات، ما يسمح بتقديم حقائق ومعلومات مقترنة بأدلة لا تترك مجالًا للمناورة.. المراجعات الغربية أضرت بشدة بالإخوان؛ قيدت أنشطتها، وفضحت طبيعة علاقتها بالتنظيمات الإرهابية المتطرفة، ما أخضعها للضغوط، ودعم التوجه نحو تشكيل جماعات سرية داخلها، لمواصلة العمل حال الحظر، وخلايا تعمل لحساب أجهزة المخابرات، استرضاء لها.. الـ«نيويورك تايمز» أشارت إلى طرح فكرة داخل الإدارة الأمريكية حول تصنيف الفرع المصرى من الجماعة فقط تجنبًا للإشكاليات المحتملة مع حلفاء واشنطن.. حتى تلك تعتبر خطوة للأمام، قد تعقبها خطوات أخرى.