رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مطايا الإخوان إلى قصر قرطاج


وسط مناخ سياسى ضبابى ومتوتر، انطلقت حملات الدعاية للانتخابات الرئاسية التونسية، الإثنين الماضى، وبدأ العد التنازلى لذهاب المواطنين إلى صناديق الاقتراع، فى ١٥ سبتمبر الجارى، لكى يختاروا واحدًا من ٢٦ تضمنتهم القائمة النهائية للمرشحين.
كل التوقعات، أو غالبيتها، تشير إلى أن المنافسة تنحصر بين عبدالكريم الزبيدى، وزير الدفاع المستقيل، ويوسف الشاهد، رئيس الحكومة الحالية، وعبدالفتاح مورو، نائب رئيس مجلس النواب، والمنصف المرزوقى، الرئيس السابق. ويمكنك أن تضيف إلى هؤلاء رجل الأعمال نبيل القروى، رئيس حزب «قلب تونس»، المحتجز حاليًا، والذى أوضح رئيس الهيئة العليا للانتخابات، أنه لا يزال مرشحًا، لأنه لم يصدر ضده حكم قضائى.
حركة النهضة تسعى للاستحواذ على الرئاسات الثلاث: البرلمان والحكومة والرئاسة. وأملًا فى الوصول إلى قصر قرطاج، تخوض الانتخابات الرئاسية بخمسة مرشحين، توزعت عليهم تزكيات أعضاء الحركة فى البرلمان، البالغ عددهم ٦٨ نائبًا: ١٧ تزكية مورو، المرشح الرسمى للحركة، و١١ تزكية لحمادى الجبالى، وحاتم بولبيار، وإلياس الفخفاخ، والمرزوقى. ويمكنك أن تضيف إليهم يوسف الشاهد، الذى ثبت تواطؤه مع الحركة خلال رئاسته الحكومة.
حكومة الشاهد، سبقتها منذ الإطاحة بـ«بن على» ثمانى حكومات، بدت فى ظاهرها معادية للإخوان، لكنها التزمت بتوجيهاتهم، ومكنتهم من وضع أيديهم على مفاصل الدولة. ونتمنى أن يكون حزب «نداء تونس» قد وعى الدرس، وأدرك أن التحالف مع الإخوان أكثر ضررًا من التحالف مع الشيطان. ومع وجاهة ما قاله الرئيس الراحل بأنه اضطر إلى إشراكهم فى الحكومة، تفاديًا لـ«مطبات العنف»، إلا أن الأرجح هو تفسير حمة الهمامى، مرشح ائتلاف الجبهة الشعبية فى الانتخابات الرئاسية، الذى أكد أن هذا التحالف فرضه صندوق النقد الدولى وأطراف غربية.
الهمامى، أكد أن الجبهة كانت تدرك أن هذا التحالف سيكون مدمرًا، وأشار إلى أن الأحزاب التى شاركت فيه لا تمثل المصالح الوطنية، بل أقليات محدودة؛ عبارة عن ٢٤٠ عائلة، تتحكم فى شرايين الاقتصاد والتجارة. مؤكدًا أنه لم يحدث أى تغير جدى وجوهرى فى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، خلال مرحلة ما بعد الثورة، لأن «من جاءوا إلى السلطة واصلوا الشىء نفسه، وبكفاءة أقل»، مستشهدًا بـ«أرقام المديونية والعجز التجارى والتضخم والبطالة والفقر» وبـ«الأوبئة» التى «عادت إلى تونس مع تدهور الخدمات الصحية».
اتفاقنا مع ما طرحه «الهمامى» لا ينفى أن عدم توافق معارضى حركة النهضة على مرشح واحد، سيفتت الأصوات لصالح أحد مرشحى الحركة الخمسة أو الستة، الذى بدا واضحًا أن التنظيم الدولى للإخوان يراهن، بدرجة أكبر، على المنصف المرزوقى، وأصدر أوامره لوسائل إعلامه بالإعلان عن دعمها له، ربما لأنها لن تجد عميلًا أفضل منه للتنظيم. وتكفى الإشارة، مثلًا، إلى مستشاره الخاص السابق، عزيز كريشان، اتهمه فى مذكراته الصادرة سنة ٢٠١٥ بأنه قام بتسليم أرشيف الرئاسة التونسية، بالكامل، إلى دولة قطر.
جهاز تحكم، أو «ريموت كنترول»، المرزوقى فى يد عماد الدائمى، الذى اختاره، فى ٢٠٠١، أمينًا عامًا لحزبه السابق، «حزب المؤتمر من أجل الجمهورية»، ثم رئيسًا للديوان حين صار رئيسًا للجمهورية، فى ديسمبر ٢٠١١، وبعد هزيمته فى انتخابات الرئاسة، وقيامه بتأسيس حزب «حراك تونس الإرادة»، قام الدائمى، بإنهاء الوجود القانونى للحزب القديم، حزب المؤتمر، وأعلن اندماجه مع الحزب الجديد.
الدائمى، هرب من تونس سنة ١٩٩١، وحصل سنة ١٩٩٦ على اللجوء السياسى فى فرنسا. وله شقيقان: منير، مدير معهد «الجزيرة» للإعلام «مركز الجزيرة للتدريب والتطوير سابقًا»، ويقيم فى قطر. وعبدالمنعم، الذى كان مديرًا لفرع منظمة الإغاثة الإسلامية فى تونس، ويرأس جمعية «تونس الخيرية». والاثنان، وثالثهما عماد، احتلوا مساحة كبيرة فى تقرير أعدته لجنة «التحاليل المالية» التى قام البنك المركزى التونسى بتشكيلها لمكافحة الإرهاب وغسيل الأموال. وغير ما كشفه عن تلقيهم تحويلات مالية ضخمة، بالمخالفة للقانون، من قطر وبريطانيا، فإن حركة حساباتهم الشخصية أشارت إلى تورطهم فى عمليات مشبوهة أضرت بأمن تونس وسلامتها.
اللافت، وما قد يثير الدهشة أو الريبة، هو أن السلطات التونسية لم تقترب من المرزوقى وغلامه، بينما تم إلقاء القبض على نبيل القروى، فى ٢٣ أغسطس الماضى، لاتهامه بالتهرب الضريبى وغسيل الأموال. الأمر الذى يعطى قدرًا من المصداقية لتأكيد عياض اللومى، مسئول المكتب السياسى لحزب «قلب تونس»، على أن هناك «عصابة داخل الدولة» تريد «إقصاء» القروى و«إزاحته» حتى تتمكن من «الانقضاض على الحكم».
إلقاء القبض على «سين» أو «صاد»، شأن داخلى، طبعًا وقطعًا. لكنه يطرح عددًا من الأسئلة بشأن المال الفاسد، الذى أتاح لمشبوهين وفاسدين، من أمثال المنصف المرزوقى وباقى مركوبى الإخوان، أن يكونوا فاعلين سياسيين أو جزءًا من تركيبة الحكم.