رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الانقلاب يترنح.. فى بريطانيا!


البريطانيون، على شبكة «تويتر» أطلقوا هاشتاج «أوقفوا الانقلاب»، Stop The Coup، ردًا على القرار، غير المعتاد وغير المسبوق، بتعليق أو تعطيل مجلس العموم «البرلمان»، لمدة شهر، الذى اقترحه بوريس جونسون، رئيس الوزراء، غير المنتخب، وأقرته الملكة إليزابيث الثانية، التى تجلس على العرش منذ ٦٧ سنة!
آلاف المتظاهرين خرجوا، أيضًا، فى عدد من المدن البريطانية، بينها العاصمة لندن، احتجاجًا على القرار، رافعين الشعار نفسه: «أوقفوا الانقلاب» وحملوا، مع علم الاتحاد الأوروبى، لافتات كتبوا عليها «دافعوا عن الديمقراطية.. قاوموا إغلاق البرلمان»، و«استيقظى يا بريطانيا»، و«أهلًا بكم فى ألمانيا ١٩٣٣». كما دعت حركة «مومينتوم»، المتحالفة مع حزب العمال، حزب المعارضة الرئيسى، إلى «احتلال الجسور وقطع الطرقات». وكشفت وثيقة، نشرتها جريدة «إكسبرس»، عن أن عددًا من النواب سيحاولون اتخاذ إجراءات حاسمة فى جلسة اليوم، الثلاثاء، التى يرون أنها آخر فرصة لوقف تحركات جونسون قبل تعليق عمل البرلمان.
النواب، طبقًا للوثيقة، سيحاولون تأجيل موعد الخروج لمدة شهرين، أى إلى ٣١ ديسمبر المقبل، لتجنب أزمة الخروج دون اتفاق. ونقلت الجريدة عن مصدر مطلع أن «جونسون» هدّد نواب حزبه، حزب المحافظين، بطردهم من الحزب إذا تعاونوا مع نواب المعارضة، بزعم أن عدم التصويت لصالح الحكومة، فى جلسة اليوم، سيؤدى إلى تدمير موقف الحكومة التفاوضى مع الاتحاد الأوروبى، أو تسليم البلاد لزعيم حزب العمال جيريمى كوربين!
بالتزامن، يسعى معارضو «جونسون» إلى وقف قراره فى المحاكم، واستصدار قرار ضد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون اتفاق، وقد يحاولون كذلك الإطاحة بالحكومة من خلال التصويت بحجب الثقة. وبالفعل، ستنظر أعلى محكمة مدنية فى إسكتلندا، اليوم، طلبًا تقدم به ٧٥ نائبًا بالطعن فى تعليق أعمال البرلمان، بعد أن رفضت المحكمة، الجمعة، القيام بذلك بشكل طارئ. كما انضم جون ميجور، رئيس الوزراء «المحافظ» الأسبق، إلى دعوى قضائية أخرى، أقامتها جينا ميلر، الرافضة لـ«بريكست»، ومن المتوقع أن تبدأ أولى جلساتها الخميس المقبل.
من توقيت تعليق عمل البرلمان ومدته، يمكنك بسهولة استنتاج أن جونسون يحاول أن يتجنب تصويتًا برلمانيًا بسحب الثقة من حكومته. أو يريد منع النواب من تعطيل «بريكست دون اتفاق»، حال عدم توصله إلى تسوية أو اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبى حول شروط خروج المملكة المتحدة منه. إذ أعلن جونسون عن تسريع وتيرة الاجتماعات بين المفاوضين البريطانيين والأوروبيين، الذين سيلتقون مرتين فى الأسبوع ببروكسل فى سبتمبر الحالى. وتهدف هذه اللقاءات إلى إيجاد حل لأكبر المسائل الشائكة فى «بريكست»، وهو بند «شبكة الأمان» فى الاتفاق، الذى توصلت إليه تيريزا ماى مع بروكسل لمنع عودة حدود فعلية بين مقاطعة أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا. ونص هذا البند، الذى يرفضه جونسون، على أن تبقى المملكة المتحدة بأكملها ضمن «إطار جمركى موحد» مع الاتحاد الأوروبى، ما لم يتم التوصل إلى حل أفضل فى ختام المرحلة الانتقالية.
قد ترى قرار تعطيل أو تعليق البرلمان انقلابًا على الديمقراطية، لكن الواقع يقول إن هذا الانقلاب لم يحدث اليوم، بالإضافة إلى أن القرار لا يتعارض مع الدستور البريطانى، غير المكتوب، الذى يمنح الملكة، خلافًا لما هو شائع، صلاحيات مطلقة، تبدأ بعدم إمكانية مقاضاتها، ولا تنتهى بمنحها حق إقالة رئيس الوزراء وحل البرلمان. وعليه، لم يكن جون بيركو، رئيس مجلس العموم البريطانى، موفقًا حين وصف القرار بأنه «فضيحة دستورية». وأضف إلى ذلك أن البريطانيين لم يختاروا جونسون رئيسًا للوزراء فى انتخابات عامة، بل اختاره ٩٢ ألفًا من أعضاء حزب «المحافظين». وعليه، كان طبيعيًا أن يستقبل عشرات الآلاف فوزه بالخروج إلى الشوارع هاتفين: «لا لبوريس.. نعم لأوروبا».
بهذه الشكل، يمكننا التأكيد أن جونسون لا يتمتع بأغلبية شعبية، كما أن حزب المحافظين حقق أغلبيته فى مجلس العموم بفارق صوت واحد فقط لا غير. الأمر الذى دفع اللورد «جوناثان ماركس» عضو «الديمقراطيين الأحرار»، إلى وصف الأوضاع الحالية بأنها «بدرجة السوء نفسها التى كانت عليها فى القرن السابع عشر» حين كانت الحرب الأهلية تطحن بريطانيا. كما أن جوردون براون، رئيس الوزراء البريطانى الأسبق، حذر من أن «جونسون» قد يكون آخر رئيس وزراء للمملكة المتحدة، بشكلها الذى يعرفه العالم حاليًا، متوقعًا أن تنفصل إسكتلندا، كنتيجة طبيعية لمعاداة الحركة المحافظة المناهضة لأوروبا، التى دعمها جونسون، للإسكتلنديين.
يقولون إن بريطانيا هى مطبخ مؤامرات العالم. ويدعم هذا التصور حجم نشاطها المخابراتى الضخم، وثبوت تورطها فى عدد من عمليات التصفية والتجسس والعمليات العسكرية غير الرسمية. لكن، هل يمكن أن يصل بها الحال إلى التآمر على نفسها؟!.