رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نكسة 67.. هلاوس أردنية


توفى زيد بن شاكر، رئيس الوزراء الأردنى الأسبق، فى ٣٠ أغسطس ٢٠٠٢ عن عمر يناهز ٦٨ سنة، إثر نوبة قلبية مفاجئة، قيل إن سببها تورط (أو اتهام) ابنته نسرين فى «فضيحة الشمايلة»: قضية احتيال مالى تمكن خلالها مجد سامى الشمايلة من الاستيلاء على حوالى ١١٥ مليون دولار، من البنوك الأردنية، بمساعدة عشرات من كبار الشخصيات والمسئولين.
لم تتذكر نوزاد الساطى، أرملة المرحوم، أن لديها ما يستحق أن ترويه، تحكيه أو تنقله عنه إلا بعد ١٧ سنة. وفوجئا، خلال الأيام الماضية، بجريدة الشرق الأوسط السعودية، التى تصدر فى لندن، بنشر حلقات من كتاب، قالت إنه سيصدر فى ٤ سبتمبر الجارى، لم نعرف مما قرأناه إن كنا أمام مذكرات، ذكريات، سيرة ذاتية، قراءة شخصية للأحداث، أم مجرد حواديت مصاطب، اختلطت فيها «الهلاوس» بالادعاءات والافتراءات. أما ما نعرفه فهو أن المذكورة كانت تقضى معظم أوقاتها خارج الأردن، تحديدًا فى قصرها بمدينة «جلف جوان» جنوب فرنسا. ونعرف أيضًا أن والدها، الدكتور شوكت الساطى، كان الطبيب الخاص للملك طلال، الذى أمر الملك حسين بمصادرة أوراقه الخاصة، وكل كتاباته ومذكراته فور وفاته!.
يحزّ فى نفس «نوزاد»، حسب زعمها، ما واجهه «الحسين» من صعوبات ومعاناة لإثبات مصداقيته، وترى أن «الوقت أظهر نجاح سياسات الحسين فى مقابل فشل سياسات عبدالناصر»، تأسيسًا على «هلاوس»، ادعاءات، أو افتراءات نسبتها لزوجها عن حرب يونيو ١٩٦٧، مع أنه لم يتقلد مناصب قيادية، فعلية، فى الجيش الأردنى إلا بعد النكسة بثلاث سنوات: كان مساعدًا لرئيس الأركان للعمليات سنة ١٩٧٠ ورئيسًا للأركان ١٩٧٤ ثم وزيرًا للدفاع وقائدًا عاما للقوات المسلحة، وصار رئيسًا للديوان الملكى، وتولى رئاسة الوزراء، قبل أن يمنحه الملك، سنة ١٩٩٦، لقب أمير. وسبق أن وصفته توجان الفيصل، النائبة السابقة فى البرلمان الأردنى، بأنه كان «عصا الملك» الراحل. وروت أنها أقسمت على منحه الثقة إذا استطاع الدفاع عن وجهة نظره فى أى موضوع سياسى مع صحفيين يختارهم بنفسه.
فى كتابه «مقاتلو الخفاء: المخابرات الإسرائيلية من الداخل» يتناول «أفيرايم لبيد» باستفاضة التعاون المخابراتى بين الأردن والإسرائيليين قبل حرب ١٩٦٧ وبعدها. لدرجة أن المملكة كانت تزود إسرائيل صباح كل يوم بالصحف الأردنية والعربية الصادرة فى سوريا ولبنان والعراق، وكان يجرى ذلك عند بوابة «مندلبوم»، الممر الوحيد بين شطرى القدس فى الفترة ما بين ١٩٤٩ و١٩٦٧. ولمّا احتلت إسرائيل القسم الشرقى من القدس سنة ١٩٦٧، أزالت آثار بوابة «مندلبوم» كليًا، فصار تبادل الصحف بين إسرائيل والأردن يجرى عبر جسر «اللنبى». وما قد يعطى لهذا الكلام قدرًا من الأهمية هو أن ليبيد شغل مناصب قيادية فى مخابرات جيش الاحتلال، وأن كتابه كان الرسالة التى نال عنها درجة الدكتوراه من جامعة «بار إيلان» فى تل أبيب.
دور الملك حسين فى حرب يونيو ١٩٦٧ أوضحه «مايكل أوبراين»، الباحث البريطانى المتخصص فى دراسات الشرق الأوسط، فى كتاب عنوانه «ستة أيام من الحرب: يونيو ١٩٦٧ وتشكيل الشرق الأوسط الحديث»، صدر منذ عشر سنوات عن دار نشر «بالانتاين بوكس». ومنه نعرف أن الملك فتح قناة اتصال سرية مع الإسرائيليين يتم من خلالها تبادل المعلومات بشأن نفوذ جمال عبدالناصر أو عن الفدائيين الفلسطينيين، الذين يصفهم الكتاب بـ«الإرهابيين». وأنه حين عرف بتحرك الحشود الإسرائيلية إلى الحدود السورية تحدث إلى «ليفى أشكول»، رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى طلب منه أن يلتزم الصمت، وطالبه أيضًا بأن يتوقف عن انتقاد عبدالناصر وأن ينضم إلى الدول العربية التى تصفه بأنه بطل العرب الأوحد.
هكذا، كان الملك الراحل يساند عبدالناصر علنًا، بينما يواصل سرًا اتصالاته مع الإسرائيليين، لأنه، بحسب الكتاب، كان يخشى اجتياح الإسرائيليين لمملكته فى أى لحظة لو أحسوا بأنه يخدعهم، ويشعر بتجاهل الولايات المتحدة التى طالما التزمت بالحفاظ على عرشه من السقوط، ويعرف أن رئيسها «ليندون جونسون» منحاز تمامًا لإسرائيل. وفى الوقت نفسه كان يدرك أن عدم مشاركته فى الحرب قد يكلفه عرشه وربما حياته هو نفسه، لأن الفلسطينيين، وهم أكثر من نصف المملكة، يؤيدون عبدالناصر واتجاهاته القومية، وقد يثورون وينضم إليهم الجيش الأردنى، وعندها يتم استبدال الحكم الملكى بحكومة جمهورية.
مواجع كثيرة سيقوم بتقليبها كتاب «زيد بن شاكر... من السلاح إلى الانفتاح» أو مذكرات المرحوم كما ترويها أرملته. بينما ينفى الواقع حاجة الأردنيين، والعرب عمومًا، لمثل هذه الحواديت أو الذكريات أو التلفيقات، التى لن تضيف شيئًا إلى وعيهم السياسى، غير اجترار حقائق مؤلمة، أثبتتها وثائق الأعداء قبل الأصدقاء!.