رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحاكمة المؤجلة منذ 18 سنة!



شهر سبتمبر صار مقترنًا فى التاريخ بالهجمات الإرهابية التى استهدفت الولايات الأمريكية، وأسقطت برجى مركز التجارة العالمى، فى الحادى عشر من هذا الشهر سنة ٢٠٠١. ومع أن تنظيم «القاعدة» تبنى تلك الهجمات وخرج زعيمه السابق أسامة بن لادن يعلن ذلك بمنتهى الفخر، فى مقطع فيديو انفردت به قناة «الجزيرة» القطرية، إلا أن كثيرين ما زالوا يؤكدون أن هذه العملية أكبر بكثير من قدرات ذلك التنظيم الإرهابى.
الجمعة الماضى، وقبل ٤٨ ساعة من نهاية أغسطس، نقلت وكالات الأنباء عن شاين كوهين، قاضى المحكمة العسكرية فى معتقل «جوانتانامو»، أنه حدد يوم الجمعة الموافق ١١ يناير ٢٠٢١ ليكون موعد محاكمة خالد شيخ محمد وأربعة آخرين متهمين بالإرهاب واختطاف طائرات وبالتخطيط للهجمات، هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١، التى قيل إنها أسفرت عن مقتل ٢٩٩٦ شخصًا فى نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا. وطبقًا للإجراءات المتبعة هناك، فإن عملية اختيار هيئة المُحلفين «١٢ عضوًا وأربعة أعضاء مناوبين» الذين سيشاركون فى المحاكمة، سوف تبدأ خلال الأيام القليلة القادمة، أى قبل الذكرى الثامنة عشرة لوقوع الهجمات!.
تلك هى المرة الأولى التى يتم فيها تحديد موعد للمحاكمة، بعد مطالبات عديدة من الادعاء العسكرى الأمريكى الذى تعهد سنة ٢٠٠٨، بالسعى لاستصدار حكم بإعدام المتهمين جميعًا. وفى ٥ مايو ٢٠١٢، عقد قضاة المحكمة أكثر من ٣٠ جلسة استماع، ثم قام الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، بوقف إجراءات المحاكمة، لتعديل بعض تشريعات المحاكم العسكرية أو ما توصف بـ«اللجان العسكرية». ولاحقًا، حاولت إدارة أوباما نقل المحاكمة إلى محكمة اتحادية فى نيويورك، لكنها اضطرت للتراجع بعد احتجاجات واعتراضات الكونجرس، وبعد قرار أصدره قاضى محكمة «جوانتانامو» العسكرية السابق، بمنع محاكمة المتهمين أمام محكمة مدنية.
يقع معتقل «جوانتانامو» فى قاعدة عسكرية أمريكية، أقصى جنوب شرق كوبا، ولا وجود فيه لأى قيم إنسانية أو أخلاقية. وجرى إيداع المتهمين فيه لأن وجوده خارج حدود الولايات المتحدة، يعفيها من الالتزام بحقوق الإنسان. وعليه، توقعت تقارير أن يواجه كوهين معضلة كبيرة بشأن أدلة الاتهام، خاصة فى ظل اعتزام فرق الدفاع عن المتهمين عقد سلسلة جلسات استماع مع شهود لإسقاط الاعترافات التى أدلى بها المتهمون فى وقت سابق خلال تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالى «FBI» فى بداية سنة ٢٠٠٦، بزعم أن تلك الاعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب. وهناك بالفعل وثائق كشفت عن قيام وكالة المخابرات الأمريكية بتعذيب المتهمين، سواء فى «جوانتانامو» أو سجون سرية تابعة للوكالة.
المُتهمون الرئيسيون فى القضية، مع خالد شيخ محمد، هم وليد بن عطاش، رمزى بن الشيبة، عمار البلوشى، ومصطفى الهوساوى. وأسهم مقدم البرامج يسرى فودة، بريطانى الجنسية مصرى الأصل، متعدد الولاءات، بدور بارز فى إلقاء القبض على بعض هؤلاء، خلال فترة عمله فى قناة «الجزيرة» القطرية. وكانت وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون» قد أوقفت، منتصف فبراير ٢٠١٨، إجراءات مساومة أو صفقة قانونية بدأها مسئولان قانونيان، كانا يعملان فى إدارة المعتقل، تلخصت فى اعتراف المتهمين بتفاصيل أدوارهم فى الهجمات، مقابل عدم الحكم بإعدامهم. وانتهت تلك المساومة أو الصفقة بأن أقال جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكى السابق، هذين المسئولين: هارفى ريشيكوف، وجارى براون، مستشاره القانونى.
هجمات ١١ سبتمبر، كانت مبرر أو «تلكيكة» الغزو الأمريكى لأفغانستان، استنادًا إلى قيام حركة طالبان بتوفير ملاذ آمن لتنظيم القاعدة. ومع أن القوات الأمريكية، بمشاركة القوات التى تحالفت معها، أطاحت بحكم طالبان، فى ٧ أكتوبر ٢٠٠١، إلا أن الحركة لا تزال تقاتل إلى الآن. ولم تستطع الولايات المتحدة وحلفاؤها، القضاء عليها، طوال ١٨ عامًا، أنفقت خلالها ما يزيد على تريليون دولار، وراح ضحيتها آلاف الجنود الأمريكيين، الحلفاء، والأفغان. وتبريرًا لذلك الفشل، ظهرت تفسيرات عبثية، وصلت إلى حد اتهام روسيا بدعم طالبان والقاعدة، مع أن مقاتلى التنظيمين الإرهابيين اكتسبوا خبراتهم ومهاراتهم القتالية خلال مشاركتهم فى حربهم ضد الاتحاد السوفيتى «السابق»، التى دعمتهم فيها الولايات المتحدة، بالتمويل والتدريب والسلاح.
ثمانية عشر عامًا مرت، ومحاكمة المتهمين المعتقلين فى «جوانتانامو» لم تبدأ بعد، كما لا تزال المعارك فى أفغانستان مستمرة، ولا توجد مؤشرات على نهايتها أو اقتراب تلك النهاية. ومع ذلك، تتفاوض الولايات المتحدة وحركة «طالبان» منذ أيام، فى العاصمة القطرية الدوحة بشأن «اللمسات الأخيرة» لاتفاق ينص على تقديم الحركة لضمانات أمنية مقابل انسحاب القسم الأكبر من الجنود الأمريكيين الـ١٣ ألفًا المنتشرين فى أفغانستان. وقيل إن واشنطن تأمل فى توقيع الاتفاق بحلول الأول من سبتمبر «أى اليوم»، أو على الأكثر قبل الانتخابات الرئاسية الأفغانية المقرر إجراؤها فى الشهر نفسه!.