رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعبيراتنا غير اللفظية وعمليات غسيل المخ «1-2»




أثارت الصورة التى نشرت لفتاة مسلمة تضم يدها لصدرها ولا تستجيب ليد ولى عهد النرويج طلبًا للمصافحة ردود أفعال واسعة خاصة بالحرية الشخصية وحق الفتاة فى عدم المصافحة، وعدم لمس يد رجل غريب، وفقًا لعدد من المقولات التراثية. وهناك من تحدث عن تأثير هذه الصورة، وموقف الفتاة على تقبل المجتمعات الغربية للمسلمين.. ومع التقدير لكل المعانى السابقة إلا أن هناك منظورًا آخر تقدمه عالمة الاجتماع النفسى الأمريكية، آمى كودى، وجدتُ أنه الأنسب بالنسبة لى للتعليق على تلك الصورة.
تقوم «كودى» بالتدريس فى إحدى كليات إدارة الأعمال فى جامعة «بركلى»، وهى مهتمة بدراسة التحيز والحكم المسبق. ومعنية بديناميكية السلطة أى قابلية تغيير السلطة، ومتخصصة فى دراسة التعابير غير اللفظية الخاصة بالقوة والهيمنة والتعابير اللفظية الخاصة بالخضوع والخنوع.
ومن المعروف أن تعبيراتنا غير اللفظية تسيطر على الطريقة التى يشعر ويفكر فيها الناس تجاهنا. لكن الجديد الذى تقدمه «كودى» هو السؤال الذى طرحته فى دراساتها التجريبية وهو: «هل تعبيراتنا غير اللفظية تؤثر فى الطريقة التى نشعر ونفكر فيها عن أنفسنا؟».
كان مبعث هذا التساؤل ما لاحظته عالمة النفس الاجتماعى خلال تدريسها لطلبة ماجستير إدارة الأعمال، حيث وجدت أن هناك مجموعة طلاب يأتون ويدخلون إلى وسط قاعة الدرس حتى قبل بدء المحاضرة الدراسية، وكأنهم يريدون أن يحتلوا مساحة ما، وعندما يجلسون، ينتشرون نوعًا ما ويرفعون أيديهم دائمًا. وعلى النقيض فهناك مجموعة أخرى من الطلاب ينهارون فعليًا حينما يدخلون، وبمجرد دخولهم تستطيع رؤية هذا الانهيار، تراه فى وجوههم وأجسامهم، يجلسون على مقاعدهم ويجعلون من أنفسهم أصغر، ويفعلون هذا عندما يرفعون أيديهم على استحياء. وبتكرار ملاحظة هذا السلوك وجدت أن معظم أو كل المجموعة الأولى من الرجال، وأن كل المجموعة الثانية من النساء، فالنساء يشعرن بشكل دائم بأنهن أقل قوة وسلطة من الرجال.
وبتعميق الملاحظة وجدت أن هناك مجموعة كاملة من التعابير غير اللفظية التى تظهر القوة، وهناك مجموعة كاملة من التعبيرات غير اللفظية المتعلقة بالضعف، حيث إن التعبيرات غير اللفظية الخاصة بالقوة والهيمنة متعلقة بالتوسع. لذا، أن تضخم من نفسك وتتمدد، تفرد ساقيك أو ذراعيك، تحتل مساحة أكبر، تشغل حيزًا أكبر، هو سلوك متعلق فى الأساس بالانفتاح، وهذا السلوك شائع فى كل مملكة الحيوان وليس مقتصرًا فقط على البشر. كل البشر والحيوانات يفعلون هذا عندما يملكون قوة بشكل دائم، وأيضًا عندما يشعرون بالقوة فى لحظة معينة، وتعبيرات القوة والفخر عالمية وقديمة.
وقد وجد أن الأشخاص المكفوفين منذ الولادة يفعلون الشىء ذاته حين يربحوا فى منافسة رياضية، لذا فإنهم عندما يعبرون خط النهاية ويفوزون لا يهم إذا لم يروا أى أحد من قبلهم يفعله هم يفعلون هذا، فالذراعان مرفوعتان على شكل حرف «V» والذقن مرتفع قليلًا.
وأيضًا تعبيرات الضعف هى تعبيرات منتشرة بين كل البشر، ماذا نفعل عندما نشعر بالضعف؟ نفعل العكس تمامًا، ننغلق وننطوى على أنفسنا، ونصغر من حجمنا، ولا نريد أن نتزاحم مع من هم بجانبنا.. ما يحدث عندما تجتمع قوة عالية وقوة دنيا. ما نميل لفعله عندما يتعلق الأمر بالقوة هو أننا نتكامل مع الإشارة غير اللفظية للآخرين. فإذا كان هنالك شخص ما يتعامل معنا بقوة، نحن نميل إلى أن نجعل أنفسنا أصغر، نحن لا نقلدهم نحن نفعل العكس معهم.
فوفقًا لنظرية «كودى» فيما يخص الصورة موضع الجدال، فهذه الفتاة المسلمة بضمها ليدها وانكماشها وابتعادها عمن يواجهها هى انعكاس للضعف والخضوع والخنوع التى تعانى منها، التى تفرض عليها باسم الشريعة، هى ترى نفسها هكذا ضعيفة، عورة، ضحية، فتبعد نفسها عن المواجهة والمزاحمة.
فكل دعوة للمرأة بأن تخفض يديها أو صوتها وألّا تسير فى عرض الطريق، بل ملاصقة للحائط، هى استراتيجيات فعّالة وناجحة وعلمية تفرض تعبيرات غير لفظية على المرأة، وتتحول هذه التعبيرات إلى سلوك يؤثر على عقل المرأة وعلى صورتها عن نفسها، وهى استراتيجيات لا علاقة للسماء بها، بل هى أمور أرضية، لا تتعلق بالأديان بصلة، لكنها السلطة والقوة والهيمنة والتشبث بها.
وللحديث بقية.