رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحدى الإرهاب «4»




فى سياق متوافق مع ما رصدته فى المقالات الثلاثة الماضية تحت هذا العنوان، يذكر د. عصام محمد عبدالفتاح، «المصرى اليوم- ٢١ يوليو الماضى»، أنه خلال السبعينيات من القرن المنصرم، بدا واضحًا أن الدولة عندما أرادت كسر شوكة الفكر اليسارى لم تجد لهذه المهمة خيرًا من الأصوليين الذين تترادف عندهم كلمة «يسارى» مع كلمة «كافر»، فأتاحت لهم الفضاء الإعلامى الذى لعب دورًا كبيرًا فى «تمكين الفكر الأصولى من التحكُّم فى ذهنية المصريين البسطاء، ولم تتوقف هذه السياسة بعد مقتل السادات على يد الجماعات الإسلامية المتطرفة».
ينقل عن أحد المفكرين العرب فى حديثه لمجلة فكرية فرنسية شهيرة أنه آنذاك: «حصل تفاوض بين الدولة المصرية والجماعات الأصولية، وتوصل الطرفان إلى تسوية يقول بموجبها النظام: أنا أُعطيكم المجتمع تفعلون به ما تشاءون وتعظونه كما تريدون، ولكن عليكم بالمقابل محاربة الإرهاب والجماعات المسلحة من أجل حماية الدولة».
وقد جرَّ هذا الموقف بالطبع الويلات على الدولة والمجتمع، فإن الدولة «سلّمت القط مفتاح الكرار»، وبدلًا من تقليص حجم الإرهاب، تضاعف وانتشر وتوغل، خاصة أنه إضافة لسيطرة التيارات المتطرفة والإرهابية على الاقتصاد والإعلام، أحكمت سيطرتها على أهم مرافق بناء الإنسان المصرى وعناصر تشكيل وعيه: التعليم، بالقفزة الخطيرة فى أعداد المدارس والمعاهد والمؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة، التى نشطت تحت هيمنة هذه التيارات ولا تزال، لتنفيذ تعاليمها وتخريجها أجيالًا من التابعين لرؤاها والمتشربين مناهجها.
والآن لا بد من التأكيد، كما كتب آخرون وكتبت مرارًا، أن الحرب ضد الإرهاب هى «حرب ممتدة»، أى أن مسرح الصدام فيها يمتد بطول مصر وعرضها، وهى «حرب بالوكالة»، تقف خلفها دول وأجهزة استخبارات وجهات معادية، وإن استخدمت أدوات محليّة، تستهدف استنزاف مصر وتدمير قواها الحيّة.
كذلك فإن هذه الحرب هى «حرب مفتوحة»، يجب أن نتوقع ضرباتها فى كل أوان ومكان: صباحًا أو مساءً، صيفًا وشتاءً، فى شارع أو كنيسة... إلخ، وهى «حرب طويلة الأمد» سيستغرق حسمها وقتًا، لسبب أساسى أنها وليدة أفكار خبيثة تم زرعها فى الأذهان، ونزعات شريرة تم بثها فى النفوس، فصارت اعتقادات اختلطت بمفاهيم شاذة عن «الدين» و«الجهاد»، تحركها عناصر مأجورة وتستخدمها بدهاء، لنشر الفوضى والتخريب.
ولهذا فإن كسب هذه المعركة يقتضى النظر إليها باعتبارها «حرب وجود» و«معركة مصير»، لا غنى عن الانتصار فيها، وهى لذلك يجب أن تُخاض كـ«حرب شاملة»، لا يكفى البُعد الأمنى فقط فى حسمها، على محوريته ومركزيته، وإنما يجب أن تُوَجّه كل طاقات المجتمع لهدف الفوز بها، وهى تقتضى جهدًا إعلاميًا وتعليميًا وتثقيفيًا ودينيًا هائلًا، لتصليب وعى المجتمع، وبناء حائط صد فكرى فى وجه دعاوى جماعاتها المُضلِّلة.
وهى حرب يستند النصر فيها إلى متانة اللُحمة الوطنية بين سائر أبناء الشعب، فوحدته وصلابة بنيانه هما من أهم أسلحتها، وتأهيل ملايين المواطنين لهذه المهمة المقدسة يتطلب توفير المناخ لإتاحة عمل سياسى حقيقى ورشيد، يفسح المجال لكل القوى الوطنية التى تؤمن بالعمل السياسى السلمى، وتنحاز إلى وجود وتطوير الدولة الوطنية، وترفض أن تكون مطيّة لأعداء البلاد أيًا كان نوعهم، حتى يشعر الجميع بدوره وأهمية أدائه، فيتفانى فى البذل والعطاء مستكملًا تضحيات الشهداء من القوات المسلحة والأمن والمواطنين الأبرياء، الذين يسقطون دفاعًا عن الوطن وأمنه.
وهناك بُعد مهم لتحقيق الانتصار فى هذه المعركة لا نمل من الإشارة إلى ضرورته، ألا وهو بُعد «العدالة الاجتماعية»، اللازم لإشعار المواطن بأنه حين يُضَحِّى فى المعركة ضد الإرهاب، فهو لا يضحى من أجل الآخرين من المحظوظين والموسرين وحسب، وإنما يُضَحِّى من أجل نفسه وأسرته وعياله، ولضمان مستقبل مشرق ينال فيه حقه فى نصيب عادل من ثروة بلاده.