رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد العسيري يكتب: فقاعة محمد رمضان وصمت النقيب


فى سنوات الصبا كنت متهورًا إلى حد كبير.. لا تعجبنى أشياء كثيرة.. حادًا فى أحكامى على خلق الله.. وفى السنوات الأخيرة وصلت إلى حد كبير من التسامح والتصالح مع نفسى ومع البشر من حولى.. وتذكرت «أحكامًا سابقة».. كنت أحارب من أجلها وأناكف الكبار فى ذلك الوقت.. وأكرههم أحيانًا لأنهم يملكون قناعات عكسها.. ومن هؤلاء عمنا الشاعر الكبير الراحل سيد حجاب.. وبليغ حمدى.
كلاهما كان يرى أن الغناء حق مباح للجميع.. وأن مسألة الضوابط والمعايير فضفاضة.. ومتغيرة من زمن إلى آخر.. كان كلاهما يرى أن من حق أى مخلوق.. بشرًا أو طيرًا أو حيوانًا حتى.. أن يغنى.. ما دام الله منحه تلك القدرة.. لكننا كنا نختلف فيمن يحدد شكل هذه القدرة.. هل هى نقابة الموسيقيين مثلًا.. أم أهل العلم.. أم أهل القانون؟.. وماذا لو كانت هذه القدرات تسبب آلامًا وضررًا لباقى مخلوقات الله.. يعنى لو واحد عايز يغنى فى ميكروفون مركبه على عربية وواقف جنب مستشفى مليانة عيانين.. فى نص الليل أسيبه «يجعر»؟!
سنوات طويلة أجاهد نفسى لأكون مثل هؤلاء الكبار متسامحًا.. عارفًا بأن الزمن كفيل بطرد السيئ والردىء.. وأن البقاء للأصلح والموهوب الحقيقى.. وربما قبلت بهذا المنطق أن أستمتع بعالم الغناء الشعبى فى مصر.. بدءًا من أحمد عدوية ومرورًا بكل من جاءوا بعده.. وبهذا المنطق قبلت خزعبلات غنائية لا حدود لها.. حتى وصلنا إلى عالم المهرجانات.. وقتها قامت الدنيا ولم تقعد.. لكننى كنت أعرف أنها موجة طارئة وهتعدى.. وأن الظرف الاقتصادى سيتغير.. وستتغير أذواق كثيرة.. وكنت كلما رأيت رد فعل ما من جانب نقابة المهن الموسيقية تجاه أحد «نشطاء هوجة المهرجانات».. كنت أبتسم.. ثم أمضى فى طريقى أستمتع بما أريد.. وعندما ظهر أحمد شيبة.. استمتعت بما قدمه.. وما زلت أتابعه مثل آخرين.. وعندما بدأ هذا الصيف.. قلت: لهم مهرجاناتهم ولى أغنياتى.. صابر الرباعى.. أصالة.. أنغام.. كثيرون من هم قادرون على تقديم ألوان أخرى لها جمهورها أيضًا.. لكننى انتبهت فجأة على قرار من النقابة بملاحقة حمو بيكا ورفاقه من البر البحر.. وخرجت قرارات وتصريحات النقيب هانى شاكر ثورية نارية حادة وقاطعة.. فقلت: ومالو.. «الراجل شايف شغله بما يحدده القانون فى مصر وعلى الجميع احترام هذا القانون».. لكننى فوجئت بأن الرجل ومن حوله صمتوا تمامًا إزاء ما يفعله محمد رمضان.. رمضان الذى وجد نفسه نجمًا بربع موهبة.. ولكن ولأنها صناعة.. وجد من يشترى ما يبيعه.. ووقتها قلت أيضًا إنها «نتوءات عابرة».. وإنه سيشبع يومًا وسينتبه لموهبته الأصلية فى مجال التمثيل.. وهو قادر على حجز مكان متقدم.. وقادر على إعادة تقديم نفسه بعد مرحلة الانتشار «ولم القرشين»!
لكنه تمادى.. وأصبحت له حفلات باعتباره «مغنواتى» ولا أعرف الموقف القانونى من هذه الحفلات بالضبط.
وحده سيادة النقيب هانى شاكر يعرف.. وحده يستطيع أن يطبق القانون على الجميع.. فلماذا لا يفعل؟! هل يخاف من «رمضان»؟!
الحفل الأخير للأسطورة فى الساحل الشمالى.. اعتدى حراس رمضان على الجمهور.. وتعامل رمضان نفسه مع الحفل بمنطق «أنا فوق الكل.. واللى مش عاجبه يخبط راسه فى الحيط».. تعليمات على كل «لون».. لم يعد الأمر غناءً على كل حال.. هو عبث فى عبث.. لكن حتى العبث نفسه له «أصول ومعايير وضوابط».
رمضان نفسه لا يعنينى من قريب أو بعيد.. طالما هو يعمل وفق قانون البلد.. رمضان والذين يستفيدون منه ومن سبوبته لا علاقة لى بهم.. ده أكل عيشهم.. لكن ما يعنينى ذلك الكيان «اللى اسمه نقابة».
أى نقابة فى البلد هى كيان تابع للدولة.. يدفع المواطنون مرتبات العاملين فيها لأداء خدمات لهم.. ولأداء أدوارهم.. ومن أولها تنفيذ قانون النقابة.. على الجميع دون استثناء.. فهل يفعلها هانى شاكر.. أم أنه فى «إجازة مصيف إجبارية»؟
مصر الآن تعيش حالة مختلفة.. ومن يتابع بجدية وذهن صافى غير منحاز صفحات الحوادث.. يعرف أن أشياء كثيرة تغيرت.. وأن الدولة ماضية فى طريقها لفرض القانون وإعلاء سيادته على الجميع.. ما فيش حد كبير.. هذا المعنى وهذه القيمة هى التى دفعتنى للتعامل مع حفل رمضان الأخير وتوابعه.
الحكاية مش حكاية واحد صدّق إن صوته حلو.. وإن ما يقدمه فن.. وإنه يمتلك من «المهارات الصوتية» ما لا يمتلكه محمد منير والحجار ومحمد الحلو وصابر الرباعى مجتمعين.. الحكاية بالنسبة لى هو ذلك «المعيار الأخلاقى».. الذى ينتظره أهلنا فى كل شبر فى مصر.. مع كل فاسد يقع.. مع كل طوبة يتم بناؤها.. فكلاهما طريقان متوازيان.. لا بناء دون عدالة.. وما يفعله هانى شاكر فى التعامل مع تلك الظواهر- رغم بساطته- يؤثر فى شبابنا.. باختصار محمد رمضان مش أسطورة.. ولا هو فوق النقابة.. لكن هانى شاكر يحتاج إلى من ينبهه إلى خطورة الكرسى الذى يجلس عليه.. وها أنا أفعل.