رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«بضاعة أتلفها الهوى».. تعرف على الشخصية الحقيقية لـ«سى السيد»

سى السيد
سى السيد

«سى السيد» هو اختصار لاسم «السيد أحمد عبدالجواد» و«سى السيد» هى الشخصية الأشهر فى الأدب العربى وهى الشخصية الرئيسية فى ثلاثية نجيب محفوظ «بين القصرين، قصر الشوق، السكرية»، وما بين الحزم والشدة والورع فى المنزل والفسق والمجون فى جلسات الأنس والفرفشة نجح نجيب محفوظ فى ثلاثيته الخالدة أن يجمع هذا التناقض فى نموذج واحد من الحارة المصرية هو شخصية «سي السيد»، والتى قدمها سينمائيًّا الراحل يحيى شاهين وتلفزيونيًا الراحل محمود مرسى.

لكن دعونا نتعرف على الشخصية الحقيقة لـ«سى السيد أحمد عبدالجواد» الشخصية الحقيقية التى عاشت فى منطقة الحسين.

و«سى السيد» الحقيقى ولد عام 1905 فى درب الأتراك خلف الجامع الأزهر، وكان يعمل بالعطارة، تزوج والده من 9 نساء أنجبت له ثلاث منهن، فكان له أخ شقيق واحد أكبر منه بينما كان أخوته وأخواته لأبيه كثيرين فى صعيد مصر حيث كان أبوه يسافر ليجلب بضاعته.

بدأ «سى السيد» العمل مع والده فى محل العطارة منذ أن كان عمره 12 عاما وكون سمعة طيبة حتى أصبح من أكبر تجار العطارة فى الحسين، ولا يزال المحل قائمًا ويحمل نفس الاسم «البركة» فى شارع جوهر القائد بحى الحسين بنفس مكانه منذ 160 عاما ويديره ابنه الحاج محمد، الذى ورث العطارة عن والده ويعاونه فيها أبناؤه سامح وإيهاب.

وقد عاش سى السيد فى منزله الكائن بمنطقة الباب الأخضر أمام مسجد الحسين، وكان يفضل أن يرتدى الطربوش والجلباب البلدى الذي يتوسطه حزام من الحرير وقفطان وما يسمى بالكاكولا، كما كانت تربطه صداقة بكبار الكتاب والفنانين وكانت جلساتهم المفضلة إما فى قهوة الفيشاوى أو فى محل العطارة الخاص به، وعلى رأس هؤلاء نجيب محفوظ وأنيس منصور والمخرج حسن الإمام ويوسف السباعى.

وعن تفاصيل اليوم العادى فى حياة أسرة سى السيد الحقيقى، يقول ابنه الحاج محمد فى أحد الحوارات الصحفية: «كانت حياتنا منظمة ودقيقة جدًا، فكانت أمى تستيقظ مبكرًا لتحضر لأبى طربوشه وتساعده فى لبسه عند خروجه لصلاة الفجر ثم تبدأ فى إعداد طعام الإفطار حيث كان أبى يعود ليفطر بعد الصلاة ونكون نحن قد استيقظنا أنا وأخواتى فنقف أمامه ويجلس إلى الطبلية وكنت أجلس معه أنا والبنتان الصغيرتان أما أخواتى الكبيرات فكن يأكلن بعده مع أمى، وبعد الإفطار كان يذهب ليفتح الدكان، وبعد الظهر كان يعود إلى البيت لتناول طعام الغداء وبنفس طريقة الإفطار فلا تجلس البنات الكبيرات معه على المائدة، وبعد الغداء كان ينام لساعة أو ساعتين ثم يستيقظ ليعود إلى المحل ولم أكن أراه عند عودته ليلا».

ويؤكد الحاج محمد فى حديثه عاتبًا على الكاتب نجيب محفوظ لما وصف به شخصية سى السيد فى الفيلم فيقول: «كان والدى رجل صالح ورع، دائمًا ما يعقد حلقات الذكر داخل محل العطارة الخاص به حتى منتصف الليل ويحضر هذه الحلقات كبار العلماء والشيوخ فى مصر مثل الشيخ محمد أبوالليل وهو من علماء الأزهر الشريف والمقرئين أمثال الشيخ البهتيمي والشيخ مصطفى إسماعيل والشيخ طه الفشنى والشيخ محمد الفيومى والشيخ محمود عبدالحق والشيخ عبدالباسط عبدالصمد»، ولكنه لا ينكر أن والده اتسم بالحزم والشدة والقسوة فى بعض الأحيان، وأنه كان من الصعب عليه وعلى أخواته البنات الست التحدث إليه مباشرة فى أى موضوع، لذا فقد كانوا يوكلون الأمر إلى والدتهم السيدة «أمينة»، كذلك لم يكن مسموحًا لهم الجلوس معه على "طبلية" واحدة فقد كان يتناول إفطاره وحده ثم يجلس محمد مع أمه وأخواته لتناول الإفطار، ويتذكر كيف كانت تهرول أمه بالمبخرة وتمطره بالدعوات أو بكلام يفتح نفسه مثل «ربنا يفتح عليك ويوقف لك ولاد الحلال».

ويستطرد قائلًا: ولكنه كان أيضًا يسمح لنا بقليل من الرفاهية، حيث كان يذهب بنا إلى منطقة روض الفرج لنستقل مركبًا تنقلنا إلى القناطر الخيرية، كذلك كنا نذهب معه إلى السينما لنشاهد الأفلام المحترمة فقط.. وجدير بالذكر أن أبناء «سى السيد» فى الرواية هم ثلاثة ذكور «ياسين وفهمى وكمال» وابنتان هما «عائشة وخديجة»، لكن الشخصية الحقيقية كان لديه ولد واحد و6 بنات.

توفى سى السيد عبدالجواد فى 5 ديسمبر 1955، أى قبل عام واحد من صدور الثلاثية، وكانت وفاته صدمة كبيرة لإبنه محمد، فلم يحصل على التوجيهية واكتفى بالثقافة لكي يباشر تجارة والده ويزوج أخواته البنات.

ويذكر الحاج محمد أن نجيب محفوظ ظل يتردد عليه، وكانت زيارته الأخيرة لمحل عطارة سى السيد منذ أكثر من 17 عام، تخللها عتاب بينهما عن الصفات التى أضافها على شخصية والده فى الثلاثية، فقد وصفه بالمجون ومجالسته للعوالم، وهى صفات لا تمت إلى «سى السيد» الأصلى بصلة، فما كان من محفوظ إلا أن أجابه ضاحكًا: «الأكلة ما تحلاش من غير بهارات».