رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خواجات تونس وإخوانها



منذ أغسطس ٢٠١٦، ظل يوسف الشاهد، رئيسًا لوزراء تونس، دون أن يعلن عن حصوله على الجنسية الفرنسية إلا بعد تخليه عنها، فى أغسطس الجارى. ثم زايد على منافسيه فى انتخابات الرئاسة، المقرر إجراؤها فى ١٥ سبتمبر المقبل، وطالب كل الذين يحملون جنسيات أخرى، منهم، أن يتنازلوا عنها، وألا ينتظروا حتى يفوزوا ليقوموا بذلك!.
المادة ٧٤ من الدستور التونسى تلزم المرشح للانتخابات الرئاسية، الذى يملك جنسية أخرى غير التونسية، أن تتضمن أوراق ترشحه تعهدًا بالتخلى عن الجنسية الأجنبية حال فوزه بالانتخابات. ومع أن الشاهد برر حصوله على الجنسية الفرنسية بأنه مثل آلاف التونسيين، الذين أقاموا وعملوا فى الخارج واضطروا للحصول على جنسية ثانية، إلا أنه لم يبرر أو يفسر سبب إخفائه لها، أو احتفاظه بها، طوال السنوات الماضية!.
الجدل لا يزال مستمرًا بشأن عدد المرشحين فى انتخابات الرئاسة الذين يخفون جنسيتهم الثانية. وإلى الآن، لم يظهر من هؤلاء غير «الشاهد» ومهدى جمعة، رئيس الوزراء السابق، الذى يحمل الجنسية الفرنسية، والهاشمى الحامدى، رئيس حزب «تيار المحبة»، المقيم فى بريطانيا ويحمل جنسيتها. وليس بعيدًا أو مستبعدًا أن يتم الكشف، لاحقًا، عن وجود خواجات آخرين يحملون، سرًا، جنسيات أخرى، نتمنى ألا تكون بينها القطرية، التركية، أو الإسرائيلية!.
بين ٩٧ تقدموا بملفاتهم، وافقت الهيئة العليا للانتخابات فى تونس، بشكل مبدئى، على ٢٦ طلب ترشح للانتخابات الرئاسية، صاروا ٣٠ بعد أن أعادت المحكمة الإدارية أربعة مرشحين إلى السباق، ومن المقرر أن يتم إعلان القائمة النهائية فى ٣١ أغسطس الجارى. وإن كانت كل الترجيحات، أو غالبيتها، تشير إلى أن المنافسة الفعلية ستقتصر على أربعة أو خمسة على الأكثر. وألا يصعد إلى الجولة الثانية غير عبدالفتاح مورو، نائب رئيس «حركة النهضة» ومرشحها، وعبدالكريم الزبيدى، وزير الدفاع المستقيل، المدعوم من حزب «نداء تونس»، حزب الرئيس الراحل الباجى قايد السبسى، وحزب «آفاق تونس»، الذى يتزعمه ياسين إبراهيم.
اللافت، هو أن القائمة الأولية للمرشحين كشفت عن قيام نواب كتلة حركة «النهضة» فى البرلمان، البالغ عددهم ٦٨ نائبًا، بمنح تزكيات لخمسة ٥ مرشحين: ١٧ تزكية لعبدالفتاح مورو، المرشح الرسمى للحركة، و١١ تزكية لحمادى الجبالى رئيس الحكومة السابق والقيادى السابق فى الحركة الإخوانية، وحاتم بولبيار، الإخوانى أيضًا، وإلياس الفخفاخ، رئيس حزب «التكتل الديمقراطى من أجل العمل والحريات»، والمنصف المرزوقى، الرئيس السابق، الذى دعمه الإخوان فى انتخابات ٢٠١٤، ولا يزال كثيرون فى التنظيم يعلنون عن انحيازهم له.
ربما رأت حركة النهضة أنها ستحتكر المشهد السياسى التونسى، حال نجاح مرشحها فى انتخابات الرئاسة، وفوزها بأغلبية مقاعد البرلمان، الذى سيمكنها من تشكيل الحكومة واختيار رئيس البرلمان. وعليه، قررت الحركة الإخوانية خوض الانتخابات الرئاسية بخمسة مرشحين. ويمكنك أن تضيف إليهم يوسف الشاهد، الذى ثبت تواطؤه مع الحركة خلال رئاسته الحكومة أو قيادته الائتلاف الحاكم. وهناك أيضًا رجل الأعمال نبيل القروى، الذى نقلت عنه وكالة الأنباء الألمانية أنه قد يتحالف مع «النهضة»، حال فوزه. وبالنص قال: «ليس لدينا موقف من النهضة.. المعركة انتهت مع دستور ٢٠١٤». والإشارة هنا قد تكون مهمة إلى أن نبيل القروى وشقيقه غازى تم استدعاؤهما، مجددًا، منذ أيام، للمثول أمام قاضى التحقيق، ووجه إليهما الادعاء التونسى اتهامات عديدة بينها غسل الأموال والتهرب من الضرائب و... و.... إلخ.
الدستور التونسى، يوزع السلطة بين الرئيس ورئيس الحكومة، بل إنه منح الأخير صلاحيات أوسع فى تسيير شئون البلاد. وتأسيسًا على ذلك، فإن فوز أحد هؤلاء السبعة لن يضايق حركة «النهضة»، لأنه سيكون، أولًا، تحت سيطرتها. وثانيًا، لأن الحركة الإخوانية تسعى لحصد أكبر عدد من مقاعد البرلمان، فى الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها فى ٦ أكتوبر المقبل. وبالتالى ستقوم بتشكيل حكومة يترأسها أحد كوادرها أو المتحالفين معها، وكذا ستكون رئاسة البرلمان، من نصيب رئيسها، راشد الغنوشى، المرشح على رأس قائمة الحركة فى دائرة تونس الأولى.
الرهان على منع «إخوان تونس» من التمدد والسيطرة، بات صعبًا، أو يكاد يكون مستحيلًا، بعد أن تمكنوا من وضع أيديهم على مفاصل الدولة بتواطؤ من تسع حكومات، بدت فى ظاهرها معادية لهم، لكنها كانت (ولا تزال) متحالفة معهم وملتزمة بتوجيهاتهم. الأمر الذى يفرض على كل المرشحين المنتمين إلى تونس، أى غير الخواجات وغير المنتمين لدولة الإخوان، أن يفكروا جديًا فى الانسحاب لصالح مرشح واحد، حتى لا تتفتت الأصوات، ويتم تسليم قصر قرطاج لمرشح «حركة النهضة»، أو لآخر خاضع لها حاليًا، أو يمكنها السيطرة عليه مستقبلًا.