رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دراسات نقدية على إبداعات شعراء أسوان فى الأقصر

جريدة الدستور

أقام بيت الشعر بالأقصر حلقة حول تجارب مجموعة من شعراء محافظة أسوان، يوم الخميس الموافق 22 أغسطس 2019، ضمن خطة لإلقاء الضوء على المحيط الإبداعي في إقليم جنوب مصر، حيث استضاف فيها الدكتور جمال العسكري، متحدثًا عن تجارب بعض الشعراء من محافظة أسوان، وهم: الشاعر أحمد الجميلي والشاعر أحمد جمال مدني والشاعر حسين صالح خلف الله والشاعر حسني الإتلاتي، وقدم الأمسية الشاعر حسين القباحي مدير بيت الشعر بالأقصر.

بدأ الشاعر حسين القباحي الأمسية بتهنئة جمهور بيت الشعر بعيد الأضحى المبارك، مرحبًا بالضيف الدكتور جمال العسكري والشعراء الضيوف موضوع الدراسة، مؤكدًا على حرص بيت الشعر على استمرار نشاطه الذي خصصه لدراسة نماذج من الشعر المعاصر لدى شعراء هذا الإقليم، ثم دعا الشعراء لقراءة بعض النماذج من أشعارهم حيث بدأت القراءات بالشاعر أحمد الجميلي الذي قرأ من أشعاره:

لفاتحةٍ في شفاهِ المُغنِّي
وخاتمةٍ في الصدى طافيةْ

لبحَّارةٍ في مهبِّ الضياعِ
ومركبةٍ في الردى غافيةْ

لمن ضاقتِ الأرضُ
حتى تشظّوا،
فلم تبقَ أوطانهم كافيةْ

لطفلٍ بلا حُلم
أنَّي تمشَّى
وفي النومِ أحلامُهُ حافيةْ

إليهِ.. إلى لعبةٍ لم يخنْهَا
وأسكنها روحَهُ الصافيةْ

ثم تلاه الشاعر أحمد جمال مدني والذي قرأ من شعره:
تُنْسَى إذا فَتَحَ النَّهارُ البَابَ للأَحْبَابِ وانْحَلَّتْ حِبَالُ المَرْكِبِ
تُنْسَى عَلَى الطُّرُقَاتِ
لَمْ يُمْسِكْ ثِيَابَكَ يا غَريبُ سِوَى غُبَارِ المَوْكِبِ
وتَمُرُّ مُبْتَسِمًا
وَتَحْمِلُ فَوْقَ ظَهْرِكَ ما يَضِيقُ بِهِ بَرَاحُ الكَوْكَبِ
لَمَّا مَرَاكِبُ فَجْرِكَ ابْتَسَمَتْ
وَمَدَّتْ للرَّحيلِ شِرَاعَهَا لَمْ تَرْكَبِ
..
ثم اختتمت القراءات الشعرية بالشاعر حسين خلف الله والذي من شعره:
حقيبتي الفارغة
كأي رجل عادي
أسافر لا تحس بي الطرقات
ولا يعيرني الناس انتباهًا
فما من مودعين
ولا مستقبلين
ولا وجهة محددة
أحمل حقيبتى الفارغة
وأمضي
في المقهى
كانت قارئة الكف بعين واحدة
نصف مطفأة
والذي كفه
في كفها
بعينين سليمتين
فكيف يصدقها
ويكذب نفسه؟!

ثم تحدث الدكتور جمال العسكري في موضوع الندوة حول تجارب الشعراء الذين استمع الجمهور إليهم مطوفًا حول جماليات الكتابة الشعرية لديهم ففي قصائد أحمد الجميلي الشاعر يخرج إلى العالم من حوله بهذا الحلم الواضح إلى مجموع مقصود من رسالته ليجلسهم فوق عرش قلبه ووجدانه:
سأجلسهم فوقَ قلبي ملوكًا
كمجلس حرفي مِن القافيةْ

بهذا الجو الموسيقي الملتزم المنضبط تأتي رسالة الشاعر وكأنها لم تكن كما أوحى محض قدر، بل اختيار واختيار ملزم، لكن الإلزام فيه مناورة في رصف أبيات القصيدة على هذا النحو المنفلت من الشكل الملتزم الذي اعتادته القصيدة فكأنه الوقوع على البراءة الأولى للقدر الشعري أو الشعر الطفل أو أولية الشعر.

وقي قصائد أحمد جمال مدني نجد أن أفق الشعرية أو محددها الأعم هو هذا العناء الأبدي الذي تحمله بعض النفوس، لتسير به ألما موجعا، لكنها بنبل لا تحمل للدنيا إلا البسمة المبتغاة لكل المتعبين في الدروب العصية على نحو ما نطالعه في قصائد الديوان، بهذا المدخل والعنوان: (قَادِمٌ مِنْ أَقَاصي الحَنين)، تكون الذات الشاعرة في الديوان ذات قادمة من أقصى الجنوب، الجنوب بما يحمله من دلالات سيميولوجية عبر رحلة القصائد في الديوان بحيث يكتنز اللفظ (الجنوب) كل مساحات الألم.

من هنا يصبح الحزن علامة على هذه الذات على نحو تعريف الذات الشاعرة لذاتها قائلة في قصيدة (في غرة البوح):
أنا الذي يُبْعِدُ الأحْزانَ في أَمَلٍ
ومُرْغَمًا تسْكُنُ الأحْزانُ أفْرَاحي
أتيتُ مِنْ رَحِـمِ الأحـزانِ مُتَّكئًا
على غنائي وهذا البَوْحُ مفتاحي

أما في قصائد حسين صالح خلف الله يكون الشعر مستراحًا من كل ما يعوق الوجدان لينطلق معبرًا عن كل ما يعتمل به من رؤى ومعاناة، تكون شعرية البوح والفضفضة التي تحاول التواصل مع غيرها بشفافية وانكشاف يجعل من فعل التواصل وسيلة للمشاركة والتأمل المشترك بين المبدع والمتلقي، فالديوان يجعلك تدخل عباب تجربته مستريحًا لهذه اللغة المباشرة التي تقترب من المستوى المحكي الحياتي الطبيعي الذي ربما مارسناه ولا ندرى أننا في فضاء من فضاءات الشعرية المراوغة التي تستعصي على التحديد، ومن ثم القبض عليها بفهم واحد جامع مانع.

أما في قصائد حسني الإتلاتي فنجد الشعر الحلم هو مكمن الحضور، لتتأكد رؤية الديوان بأن الشعر رؤية ومكابدة مستمرة وراء المعاني التي تعادل من وجهة نظر هذه الشعرية الحياة بكاملها، يقول الشاعر في ختام القصيدة، بعد طول الرحلة والسؤال عنها البحار والسماء والنجوم.. إلخ:
قلت يا أميرتي
يا عشقي الأخير
هل تسكنين
قصيدتي هي وحدها
ألم تُلوَّث وحدها
قالت: أَجَل
قالت: أَجَل

ذلك ويستعد بيت الشعر لإقامة دورة في فنون الخط العربي تبدأ من يوم السبت 24 أغسطس حتى الخميس 29 أغسطس 2019، ويحاضر فيها الفنان الخطاط رمضان الحادي والفنان الخطاط خالد البعو.