رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب: خُيّل إليَّ..

وائل خورشيد
وائل خورشيد

يقولون - ولا أعرف من هم - إن الوقوف على مسرح للحديث أمام الجمهور، ضمن أحد أعلى درجات الخوف لدى البشر، ومعه في مرتبة متقدمة، الموت.

البعض يخاف من ظله. هذه حقيقة وليست هراء، لو باغتك ظلك في ليلة حالكة الظلمة، مع صوت قطة تعبث في صندوق قمامة، بالتأكيد ستنتبه، وسيبدأ العقل في اتخاذ التدابير الاحترازية.

لكن أقول، إن ما يخيف حقا ليست الأشياء نفسها، ولكن نحن، ما نفكر فيه، فمثلا.. ماذا نعرف يقينا عن ما بعد الموت، وسأستبعد الجانب الديني لأن البشر ليسوا جميعهم يقدسون نفس الإله، ولا يتبعون نفس الكتاب، وبعضهم لا يتبع شيئا. لذلك ماذا نعرف عن ما بعد الموت؟ ما المخيف هناك! المجهول؟! ربما، ماذا نعرف عن هذا المجهول. لا شيء سوى أننا نملأ هذا الفراغ بأفكارنا السيئة، ونزرع الخوف في كل ربوع هذا المجهول.

ما المخيف في الوقوف أمام جمهور كبير والتحدث. لا شيء حقا. قد تخطئ؟ ومن لا يفعل. قد تبدو غبي؟ يحدث مع الجميع. قد لا تعجبهم؟ وما يهم. في هذا العالم بعض الناس يفعلون أشياء غريبة جدا، ومقززة جدا ولهم جمهور كبير. الحقيقة لا شيء يخيف، بل إن ما يزيد من سوء الأمر، هذا الارتجاف الداخلي الناتج عن هذا الخيال، والذي يدفعك لتقدم الأسوأ.

بالرغم من ذلك، اعتيادك الوقوف أمام الجمهور والتفاعل معهم، يتحول مع الوقت لمتعة لا تقدر بثمن، حتى أن بعضهم قد يتحول إلى أراجوز لكي يرضي الحضور، وينال استحسانهم وتقديرهم. دعنا من هؤلاء الذين يفقدون أنفسهم. لكن المهم، أنك بسبب هذا الخوف قد تفوت على نفسك متع عظيمة.

أملك حنجرة حادة قليلا، صوتها ليس رقيق بالمرة، وفي أحد المرات، جربت أن أعمل في الإذاعة، وفي الاختبار حدث أمرين أغرب من بعضهما. الأول أن صوتي أصبح أكثر نحافة بعد أن غابت عنه الثقة، والثاني أني فقدت القدرة على التركيز والارتجال.

ما أقصده أن الخوف والهلع، هي أفعال مصدرها في الغالب الخيال، إذ أنك لو تمكنت من السيطرة عليه، يمكنك أن تغير نظرتك للأشياء، وتطرق دروبا كثيرا كنت تتجنبها من قبل.

أنا مثلا أعاني من أزمة خاصة مع الحشرات الزاحفة، مثل الصرصور، ولكن لو فكرت حقيقة فيما يمكن أن يفعله هذا الصغير ليؤذيني، في الحقيقة لا شيء، بل هو حتى قد يهرب خوفا مني، ولو أن هذا الجزء الأخير بدأ يتغير قليلا، وأشعر أنهم يطاردوني، ربما هو خيالي أيضا.

قد تخشى التقديم في مسابقة هامة، رغم مقدرتك، لأنك تتخيل أنك ستخسر، وبعد إعلان الفائز، تشعر أنه لم يكن أفضل منك، لكنه كان يملك خيال أفضل. قد تحب فتاة ولا تخبرها، وتظل تسأل نفسك لماذا لم تفعل. رغم أن الحديث فيه احتمالات إما خير أو شر، أم السكوت فليس فيه سوى احتمال واحد، لا شيء.

أسوأ أعداء الإنسان، هو أقربهم لعقله، خياله المريض، حتى في تلك المرات التي تقرر أن تكون إيجابي جدا، للدرجة التي تتخيل أن معجزات ستحدث، وأن ما فعلته سيكون نتاجه كبير جدا، فلا يحدث، فأنت آذيت نفسك أيضا، بخيالك.

ترويض الخيال، ووضعه في مساحة الممكن والمنطقي، أمر صعب جدا، لكنه ضروري من أجل الحفاظ على نهايات سليمة.