رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تحدى الإرهاب«3»




يمكن القول، دون مُبالغة، إن مُفتتح عقد الثمانينيات من القرن الماضى كان العصر الذهبى لـ«الإرهاب المعولم» فى مصر، حيث بسطت أمريكا هيمنتها على فكر النخبة المصرية الحاكمة، فأصبحت «صاحبة الـ٩٩٪ من أوراق اللعبة»، وبيدها وحدها إخراج مصر من مأزقها الاقتصادى المستحكم، الذى اعتبره نظام «السادات» الخطر الرئيسى على بقاء حكمه، خاصة بعد أن كشّرت الجماهير عن أنيابها فى يومى ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧.
من هنا اندفع «السادات» فى مسار «التطبيع» مع إسرائيل، والتماهى مع السياسات الأمريكية المعادية للاتحاد السوفيتى السابق، التى كانت وتيرتها قد تصاعدت باتجاه تدعيم الجهود الحثيثة لإسقاطه على نحو ما حدث فى نهايات ذلك العقد. وكانت المعركة ضد التدخل السوفيتى فى أفغانستان «أو فيتنام السوفيتية على نحو ما وصفها الاستراتيجيون الأمريكيون»، خدمة للمصالح الأمريكية، معركة لا ناقة لمصر فيها ولا جمل، لكنها كانت بؤرة الاختراق الكبير، التى نفذ منها آلاف الشباب المصرى المتحمس أو المُضَلل، تحت مزاعم «الجهاد» ضد الكفار، ومواجهة الغزوة الإلحادية الشيوعية، إلى أكبر ساحة عملية للتدريب المجانى على العنف والإرهاب. وتحت سمع وبصر النظام ومباركته وتشجيعه، راحت «هيئة الإغاثة الإسلامية»، بنقابة أطباء مصر، التى كانت تحت هيمنة جماعة «الإخوان المسلمون»، ويقودها الثنائى النشط: «د. عبدالمنعم أبوالفتوح» و«د.عصام العريان»، وتتدفق عليها الإمكانيات المالية من دول النفط، وبالذات المملكة السعودية، تَجِدُّ فى توريد «الأنفار المصريين» إلى مدينة «بيشاور» الباكستانية، على الحدود مع أفغانستان، حيث تتلقفهم معسكرات التدريب العسكرى، التى يقودها الشيخ الإخوانى، الفلسطينى الأصل، «عبدالله عزّام»، لتهيئتهم للمشاركة العملية فى القتال ضد الجيش السوفيتى، فى أكبر وأخطر ساحات التدريب الفعلى على حروب التخريب والتدمير!. والمدهش أن هذا الأمر الجلل، كان يتم وسط تهليل وتكبير المؤسسات الإعلامية والدينية، المصرية والعربية، التى مجدت، فى حماقة غير مسبوقة هذا الفعل الخطير، وتبارت فى تكريمه، وهو الفعل الذى لعب من خلاله «الجهاديون» والتكفيريون المصريون أخطر الأدوار فى عولمة الجهاد الأفغانى، وبالخصوص أعضاء جماعة «الجهاد المصرية»، وعلى رأسهم «أيمن الظواهرى»، كما يذكر الكاتب «نورالدين تويمى»، فى دراسته القيّمة المعنونة بـ«الجهاد الأفغانى من بريجنسكى إلى بلمختار (الحلقة الثانية)»، التى يؤكد فيها أن «قرار إعلان (الجهاد) لمواجهة الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، لم يكن قرارًا إسلاميًا خالصًا بقدر ما كان قرارًا أمريكيًا واضحًا اتخذه مستشار الأمن القومى الأمريكى زبيجنيو بريجنسكى، مُحَرِّكًا به كورالًا فى أوركسترا لم تعرف البشرية فى تاريخها مثيلًا لها، ومُجَنِّدًا أخطر أسلحة استعمال الدين، وأعنى النفير العام للجهاد فى أفغانستان». وقد احتاج الأمر نحو أربعة عقود كاملة، حتى يُعلن ولى العهد السعودى «محمد بن سلمان» من خلال «الواشنطن بوست»، ٢٧ مارس ٢٠١٨، أن المملكة «نشرت الوهابية بطلب من حلفائها أمريكا والغرب، لمواجهة نفوذ الاتحاد السوفيتى»، مُضيفًا فى تصريح آخر لا يقل أهمية، خلال لقاء مع مجلة «ذى أتلانتيك» الأمريكية، فى ٢ أبريل ٢٠١٨، «أنه خلال الحرب الباردة انتشرت الشيوعية فى كل مكان، وهدَّدت الولايات المتحدة وأوروبا وكذلك السعودية، التى قررت العمل مع أى شخص يمكن أن يُخلصّها من الشيوعية، وكان من بينهم الإخوان المسلمون الذين مولتهم أمريكا أيضًا»!. وهكذا طارت أرتال الإرهابيين المتأسلمين الجدد إلى ساحة الإعداد والتدريب، ثم عادوا كإرهابيين مُحنَّكين إلى البلاد لكى يعيثوا فسادًا، وذكر محامى الجماعات الإرهابية المدعو «إبراهيم على» - المصرى اليوم، ٣١ مارس ٢٠١١، أن «٣٠٠٠ من قيادات وكوادر جماعتى الجهاد والجماعة الإسلامية، بينهم محمد شقيق خالد الإسلامبولى، سيصلون البلاد، دُفعةً واحدةً خلال أيام، بعد رفع أسمائهم من قوائم ترقب الوصول».
فمن سمح لهم، بهذا الإجراء الخطير؟ سؤال يحتاج إلى إجابة ومحاسبة، إذا كنا نريد بالفعل هزيمة الإرهاب.