رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرأس بـ5000 دولار!



هلاوس لا يمكن منطقتها، ولا يمكن الرد بعقلانية على كلام يخاصم العقل، لا هدف له غير البحث عن مخارج لإفلات مجرمين، قتلة أو إرهابيين، من العقاب. وليس معنى «هلفطة» شباب «الإخوان»، أو أشبال الإرهابيين، بكلام فارغ، أن تكون تلك «الهلفطة» مبنية على أساس، أو أن يتم استخدامها فى تسمية الأشياء بغير مسمياتها.
الوصف الأقرب لما حملته «هلفطة» أشبال الإرهابيين، الأخيرة، هو أنهم يريدون أن يعلنوا توبتهم. والتوبة قد يقبلها الله، لكن لا مكان لها فى القانون. ولا نتصور أن عاقلًا، مواطنًا أو مسئولًا، قد يتبنى ما حملته تلك «الهلفطة»، أو سيوليها أى قدر من الاهتمام، ليس فقط بسبب المخاوف الأمنية والتحفظات السياسية، ولكن أيضًا لأن المطالبة بتعطيل قانون الدولة، هى فى ذاتها جريمة، يعاقب عليها القانون.
فى «هلفطتهم» الأخيرة، أو الأحدث، تعهد أشبال الجماعة بعدم المشاركة السياسية مطلقًا، واعتزال كل أشكال العمل العام، و... و... وكان أكثر ما لفت نظرنا، ونظر كثيرين، هو إعلانهم عن استعدادهم، كبادرة حسن نية، لدفع مبلغ مالى تحت مسمى كفالة أو فدية أو تبرع لصندوق تحيا مصر، بالعملة الأجنبية، دعما للاقتصاد المصري، ملوحين بأن هذا المبلغ قد يكون خمسة آلاف دولار لكل فرد، وأنه سيوفر للدولة مبالغ تزيد على خمسة مليارات جنيه!.
الكفالة، فى القانون، هى مبلغ مالى تقرره النيابة أو المحكمة، نظير إطلاق سراح متهم، خلال فترة محاكمته، فى قضية منظورة، لضمان عدم تخلفّه عن الحضور إلى المحكمة. والتبَرَّع، هو تفضَّل الشخص، عن طيب خاطر، بما لا يجب عليه ولا ينتظر عنه مقابل. وبهذا الشكل، تكون «الفدية» هى المسمّى الأنسب، غير أنها مرتبطة بإطلاق سراح أسرى الحرب. ما يعنى أن تلك «الهلفطة» تحمل اعترافًا ضمنيًا بأن هؤلاء كانوا يخوضون حربًا ضد الدولة. والأهم هو أنها تعيدنا إلى ذلك المقال الذى كتبه عزالدين شكرى فشير، ونشرته جريدة المصرى اليوم، فى ٢٠ يونيو ٢٠١٧، تحت عنوان: «خطاب إلى الرئيس: نحن لا نقتل الأسرى»، طالب فيه بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام ضد الإرهابيين، الصادرة ضدهم أحكام قضائية نهائية وباتّة!.
اللافت، هو أن «هلفطة» أشبال الإرهابيين، المبنية على الـ«لا أساس» جدّدت سؤال «المصالحة» المعتاد والمتكرر، والذى كثيرًا ما رد عليه الرئيس عبدالفتاح السيسى عنه، بإجابة معتادة ومتكررة أيضًا. بالنص قال: «السؤال ده لما بيتوجّه ليّا باقول حاجة واحدة بس.. الإجابة عند الشعب المصرى مش عندى أنا». وبين علامتى تنصيص، وضعنا كلمة «مصالحة»، لأنها ومترادفاتها (تصالح، اتفاق أو معاهدة صلح) لا تكون إلا بين قوى متكافئة.
قلنا سابقًا، ونكرر وسنكرر، إن عاقلًا، مهما قل عقله، لا يمكنه ادعاء أن كفة عليها «جماعة إرهابية»، مهما كان وزانها أو زاد عدد أفرادها، قد تُحدث نوعًا من الاتزان أو التكافؤ مع كفة عليها دولة، بشعبها وجيشها ومؤسساتها. وبالتالى لا يكون أمام جماعة الإخوان بفروعها وتفريعاتها، بأشبالها وعواجيزها، غير إعلان «التوبة»، التى لن يقبلها «الشعب». إذ إن الله، وهو الله، لا يقبل التوبة من ميت.
الإخوانى التائب أو الطيب، هو الإخوانى الميت. ويخدعك من يحاول إيهامك بوجود فارق إخوانى وآخر. إذ بات فى حكم المؤكد أنهم جميعًا إرهابيون، وأن من لم يحمل منهم السلاح هو، فقط، مَن لم تصدر له الأوامر بذلك. وانطلاقًا من ذلك، يمكنك قراءة الرسالة الموقعة من ٣٥٠ إخوانى والتى قيل إن أكثر من ١٠٠٠ آخرين، وافقوا على مضمونها أو محتواها، وزعموا فيها أن أوضاعهم باتت مأساوية بينما يتصارع قيادات الجماعة فى الخارج على المناصب والأموال مما أفقدهم الثقة فيهم.
كلام كثير، تردد مؤخرًا عن احتدام الخلافات قيادات الإخوان فى تركيا وشباب الجماعة بسبب فساد مالي، أو بشأن مستقبل ومصائر عناصر الجماعة داخل مصر وخارجها. كما رأيناهم يبتزون بعضهم بعضًا، ويهددون بنشر تسجيلات تكشف عن أوجه إنفاق الأموال والهبات والتبرعات التى يتلقاها قادة الجماعة فى تركيا، من دول بعينها، وجمعيات خيرية، ومنظمات إغاثة، زاعمين أن هناك عناصر فى الجماعة تعيش على حد الكفاف وتقبل ذلك على مضض خشية الترحيل إلى مصر، لصدور أحكام قضائية، بينما يعيش القادة فى رفاهية كبيرة.
تقديرنا، هو أن الجماعة، التى ماتت وشبعت موتًا، تحاول العودة إلى الحياة بافتعال حدوث انشقاقات وصراعات، معتقدين أنهم بمثل تلك الأفلام الهابطة قد يغسلون أيدى نصف الجماعة من الجرائم بتحميلها للنصف الآخر. والمؤسف، هو أن تجد طيبين زيادة عن اللازم، يقعون فى الفخ الإخواني. والأسف يقتصر على الطيبين، ولا يشمل طبعًا شركاء الجماعة أو المركوبين منها.