رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحد الأقصى للأجور!



أجور مدراء ٣٥٠ شركة أمريكية زادت بنسبة ٩٤٠٪ بين عامى ١٩٧٨ و٢٠١٨، بحسب دراسة حديثة، أصدرها معهد «إكونوميك بوليسي»، Economic Policy Institute، التى ذكرت أيضًا أن رواتب الموظّفين العاديين لم ترتفع إلا بنسبة ١٢٪، خلال الفترة نفسها.
الدراسة أعدتها لورنس ميتشل وجوليا وولف، وعنهما نقلت وكالة الأنباء الفرنسية أن «هذا الارتفاع فى أجور المدراء التنفيذيين ساهم فى تضخيم ثروات الأثرياء، وحرم العمّال العاديين من ثمار النموّ وأدى إلى تعميّق الفجوة بين أغنى الأغنياء وهؤلاء الذين هم فى أسفل السلّم الاجتماعى والمقدّرة نسبتهم بـ٩٠٪». وعليه، وضعت الدارسة عدة مقترحات لحلّ هذه المعضلة، أبرزها فرض ضرائب أعلى على أصحاب الدخول الكبيرة وضريبة أخرى على الشركات، التى يكون فيها الفارق بين راتب المدير الكبير والموظف الصغير فادحًا.
بالأرقام، أوضحت الدراسة أن أجر المدير التنفيذى لشركة ما، كان أعلى بعشرين مرة من الموظف العادي، سنة ١٩٦٥، وبـ٥٨ مرة سنة ١٩٨٩، ثم قفز سنة ٢٠١٨، ليكون أعلى بـ٢٢١ مرّة من ذلك الذى يتقاضاه موظّف متوسّط الأجر. وطبيعى أن تؤدى هذه الفوارق الضخمة، إلى حدوث فجوات على عدّة أصعدة. وطبيعى أيضًا، أن تحتل جانبًا من النقاش السياسى الدائر فى الولايات المتحدة، والذى تزداد حدته، كلما اقتربت انتخابات الرئاسة الأمريكية، المقرر إجراؤها فى نوفمبر ٢٠٢٠، خاصة داخل معسكر الديمقراطيين، أى الحزب الجمهوري، الذى يشهد، الآن، منافسات ومواجهات محمومة بين جناحى اليسار والوسط.
متوسط رواتب المديرين التنفيذيين فى الولايات المتحدة كان يساوى ٣٧٥ مرة متوسط رواتب الموظفين عمومًا، قبل الأزمة المالية العالمية، أى قبل سنة ٢٠٠٨. لكنه هبط إلى ١٩٦ مرة فى ٢٠٠٩ ثم عاد ليرتفع تدريجيًا، ليصل إلى ٢٠٠ ضعف سنة ٢٠١٦، وكان الرقم ٢٠٠ يتردد كثيرًا خلال الحملة الانتخابية لهيلارى كلينتون، التى أرادت كسب تأييد من يرون أن رواتب كبار المديرين خيالية وغير مبررة. وقيل وقتها إن المرشحة الديمقراطية الخاسرة، استندت إلى استطلاع رأى أجرته جامعة «ستانفورد» قال إن هؤلاء يمثلون ٧٥٪ من الأمريكيين.
فوارق الأجور فى بريطانيا تخضع لتدقيق كبير منذ سنوات، وهناك قواعد جديدة، تم إقرارها مؤخرًا، جعلت هذا التدقيق أكثر صرامة. ومع ذلك، أظهرت وثائق مصرفية أن مديرى البنوك البريطانية يتقاضون أجورًا تفوق متوسط الموظفين بـ١٢٠ مرة. إذ كشف التقرير السنوى لمجموعة «لويدز» المصرفية، الصادر فى ٢٠ فبراير الماضي، أن أجر مديرها التنفيذى أنتونيو هورتا- أوزوريو، وصل إلى ٦.٣ مليون إسترليني، سنة ٢٠١٨، بما يفوق ١٦٩ مرة متوسط أجر الموظف العادى البالغ ٣٧ ألفا و٥٨ جنيهًا إسترلينيًا. واتسع الفارق إلى ٢٣٧ مرة مع الموظفين فى شريحة أجور الربع الأدنى بـ«لويدز». وفى المرتبة الثانية، حل بنك «إتش.اس.بي.سي»، بتقاضى مديره التنفيذي، جون فلينت، ٤.٦ مليون إسترلينى العام الماضي، وهو ما يفوق متوسط أجور الموظفين ١١٨ مرة. ولم يبتعد كثيرًا الفارق بين أجور المديرين التنفيذيين ومتوسط أجر الموظفين فى «رويال بنك أوف سكوتلاند» و«باركليز».
هنا، فى مصر، ارتفعت مخصصات الأجور فى موازنة العام المالى الجارى إلى ٣٠١.١ مليار جنيه مقابل ٢٧٠ مليارًا بموازنة العام المالى السابق. وكان رئيس الجمهورية قد أصدر، منذ خمس سنوات، القرار بقانون رقم ٦٣ لسنة ٢٠١٤، بألا يزيد الحد الأقصى لأجور العاملين لدى أجهزة الدولة على ٣٥ ضعف الحد الأدنى، وبما لا يتجاوز ٤٢ ألف جنيه شهريًا. لكن، بمجرد أن أعلن الرئيس عن زيادة الحد الأدنى من ١٢٠٠ إلى ٢٠٠٠ جنيه، تقدم نحو ٦٠ عضوًا بمجلس النواب، فى مايو الماضي، بمشروع قانون لرفع قيمة الحد الأقصى إلى ٧٠ ألف جنيه.
بين صدور القرار بقانون، والمطالبة بتعديله، صدرت أحكام قضائية باستثناء عدة جهات، بدأت بحكم أصدره المستشار يحيى دكروري، نائب رئيس مجلس الدولة، فى يونيو ٢٠١٥، بوقف تنفيذ وإلغاء قرار أصدره رئيس مجلس الوزراء بتطبيق القانون على العاملين ببنوك القاهرة، الأهلى المصري، والتعمير والإسكان و...و.... مع أن الدكرورى كان وقتها مستشارًا قانونيًا للبنك المركزي، وعضوًا بمجلس إدارته. لكن، ما علينا!.
غير الجهات التى استصدرت أحكامًا قضائية، كانت هناك تجاوزات أو شبهات، أراد أعضاء فى مجلس النواب التحقق منها، فتقدموا عير اللجنة الفرعية لموازنة البرامج والأداء، بتوصية عامة، فى يونيو الماضي، لمراجعة الهياكل الوظيفية للعاملين بالجهاز الإدارى للدولة لبيان مدى التزامها بالحد الأقصى للأجور. كما سبق أن فاجأنا المهندس ياسر عمر، وكيل لجنة الخطة والموازنة، فى نوفمبر الماضي، بتأكيده على أن هناك عدة جهات تتجاوز السقف بمراحل، كاشفًا عن أن دخل مسئول بإحدى «الجامعات الحكومية» وصل إلى ٤٠٠ ألف جنيه شهريًا!.