رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الباشا فى السينما المصرية



سادت الصورة الوجيهة التقليدية للباشا معظم أفلام السينما فى الثلاثينيات ومعظم الأربعينيات، ولكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية والتحولات الاجتماعية والسياسية التى صاحبتها، يبدأ التغير الملموس فى صورة الباشا لصالح الطبقة الوسطى، ومجتمع الأفندية. ويرجع ذلك أيضًا إلى تغير نوعية جمهور السينما الذى أصبح معظمه من الطبقة الوسطى «الأفندية»، نتيجة ازدياد عدد سكان المدن، والهجرة من الريف إلى المدينة، والتوسع فى التعليم، وبدايات مسألة تمصير الوظائف.
يُعتبَر فيلم «غزل البنات» من أهم الأمثلة الدالة على تلك التحولات؛ تم عرض الفيلم فى عام ١٩٤٩، أى بعد هزيمة ١٩٤٨ وضياع فلسطين، ومع تصاعد المسألة الطبقية، وحديث الصحافة والرأى العام عن التفاوت الاجتماعى وبدايات حدة المسألة الاجتماعية. ويقوم الكاتب المبدع «بديع خيرى» بكتابة سيناريو ناقد ولاذع، ليقوم «نجيب الريحانى»، وهو فى عز تألقه، بتمثيل دور «أستاذ حمام» مدرس اللغة العربية الناقم على أحواله وأحوال المجتمع، ويقوم المتألق «سليمان بك نجيب»، مدير دار الأوبرا الملكية، بدور الباشا.
وفى قصر الباشا يتألق الجميع فى الحوار والأداء فى نقد المسألة الاجتماعية؛ إذ يبدأ المشهد المثير بالمدرس التائه فى قصر الباشا، ويعتقد المدرس أن الخادم الذى يقدم القهوة هو الباشا، لأن ملابسه أشيَّك من ملابس المدرس! ثم يعتقد المدرس أن مُرَبِّى كلب الباشا هو الباشا نفسه، ويدور حوار ساخر ولاذع من حيث مقارنة مرتب مُرَبِّى الكلب ومرتب المدرس، حوار بين مُرَبِّى الكلاب ومُرَبِّى العقول. ثم يظهر الباشا فى زىّ الجناينى، ليسخر المدرس من الجناينى، ويكتشف بعد ذلك أنه الباشا، ويبرر المدرس خطأه أن كل شىء فى هذا القصر «ملخبط»، وهنا تظهر وبشدة السخرية من صورة الباشا التقليدية، ثم نهاية الفيلم عندما يفلح أستاذ حمام «رمز الطبقة الوسطى» فى إصلاح «بنت الباشا»، وهو ما لم ينجح فيه الباشا نفسه.
هكذا بدأ النقد الحاد لصورة الباشا قبيل ثورة يوليو ١٩٥٢، لكنه كان نقدًا فى إطار الحفاظ على النظام الاجتماعى. وتتغير صورة الباشا بشكل راديكالى فى السينما المصرية، ويرجع ذلك بطبيعة الحال إلى تغير النظام السياسى والاجتماعى، وإلغاء الملكية والألقاب بما فيها لقب الباشا. ويظهر ذلك جليًا فى صورة الباشا المتغطرس، وأحيانًا كثيرة الخائن للبلد فى عدة أفلام، لعل أبرزها «رد قلبى» و«الله معنا» و«شروق وغروب»، أو حتى الباشا القاتل، مثل دور زكى رستم فى «صراع فى الوادى». ومع مرور الوقت تترسخ هذه الصورة النمطية فى ذهن الأجيال الجديدة التى ولدت بعد ثورة ١٩٥٢، بحيث يصعب تغييرها، خاصة فى ظل كتب مدرسية لا تُقدِم تاريخًا متوازنًا يقوم على الرأى والرأى الآخر، وهكذا ننسى أيضًا أن ليس كل الباشوات خونة وقتلة وعملاء للسرايا والإنجليز، وأن زعماءنا الوطنيين كانوا أيضًا «باشوات»، فأحمد عرابى «باشا»، ومصطفى كامل «باشا»، وسعد زغلول «باشا»، ومصطفى النحاس «باشا»، وحتى اللواء عزيز المصرى، الأب الروحى للضباط الأحرار وثورة ٢٣ يوليو، كان أيضًا «باشا».
ويظهر لقب الباشا بعد ذلك بمدة طويلة فى أسماء الأفلام مثل «الباشا» لأحمد زكى، و«الباشا تلميذ» لكريم عبدالعزيز، ويُلاحظ أن هذه الأفلام ذات طابع بوليسى إلى حد كبير، دلالة على تغير إعادة استخدام اللقب ومدلوله الاجتماعى، هذا فضلًا عن التندر به فى الأوساط الاجتماعية.