رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فيلم هندى باكستانى طويل



الخميس القادم، تحتفل الهند باليوم الوطنى لاستقلالها. لكن هذا الاحتفال سيكون مختلفًا أو ذا طابع خاص فى العاصمة البريطانية، لندن، إذ أعلنت الجالية الإسلامية الكشميرية، والجالية الهندوسية الكشميرية، هناك، عن تنظيم مظاهرتين، فى التوقيت نفسه، أمام مكتب المندوب السامى الهندى. الأولى ترفض والثانية تؤيد قرار الهند بإلغاء الحكم الذاتى لولايتى «جامو» و«كشمير».
كشمير، متنازع عليها، منذ تقسيم الهند وقيام دولة باكستان سنة ١٩٤٧. وبسبب تلك المنطقة التى توصف بأنها «جنة على الأرض محاطة بالنيران» اندلعت عدة حروب بين البلدين، واقترحت الأمم المتحدة أن يتم اقتسامها، لكن هذا القرار ظل حبرًا على الورق ولم يجد طريقه للتنفيذ. لكن بعد حرب ١٩٧١ التى دعمت فيها الهند باكستان الشرقية، وانتهت بانفصالها وقيام جمهورية بنجلاديش، تم الاتفاق على خط هدنة على طول الحدود بين البلدين، صار معروفًا باسم خط المراقبة. وتم توقيع «اتفاقية شِملا» سنة ١٩٧٢، الذى احتفظت الهند بموجبه بجزء من كشمير، عاصمته سريناجار، فى حين احتفظت باكستان بجزء آخر، عاصمته مظفر أباد، غير أن المواجهات لم تتوقف، وظلت الهند وباكستان على حافة الحرب.
اختصرنا الصراع المزمن، بهذا الشكل المخل طبعًا، فى ١١ مايو الماضى، حين تناولنا فى مقال عنوانه «ولاية داعش الهندية»، قصة «مسعود أظهر» الذى تمكنت نيودلهى، بعد جهود مضنية، من انتزاع قرار من مجلس الأمن بإدراجه على قائمة الإرهاب الخاصة للأمم المتحدة، والذى تبعه بأيام إعلان تنظيم «داعش» قيام ولايته هناك. ووقتها، لم نتوقف عند الوضع الخاص، الذى منحته الهند للجزء الخاص بها من كشمير: حكم داخلى مستقل، ومنع المواطنين الهنود من خارج الولاية من شراء الأراضى، أو تولى أى مناصب فى الحكومة المحلية. كما حظر على النساء امتلاك الأراضى والعقارات خشية انتقالها بالزواج إلى آخرين من خارج الولاية.
هذا الوضع الخاص، ظل محل اعتراض غالبية الأحزاب الهندية، وليس فقط «الحزب الهندوسى القومى» الحاكم، وكان إسقاطه، هدفًا دائمًا لها. وعليه، وافق البرلمان الهندى على القرار الذى أصدره الرئيس الهندى، رام ناث كوفيند، بموافقة ٣٧٠ واعتراض ٧٠ فقط. وبالتزامن تم إرسال تعزيزات عسكرية هندية إلى المنطقة. ثم سرعان ما دخلت باكستان على الخط، وحذر رئيس وزرائها، عمران خان، من اندلاع نزاع واسع، ثم قام بطرد السفير الهندى من إسلام أباد، وتخفيض العلاقات الدبلوماسية، وتقليص التبادل التجارى، بزعم أن القرار الهندى يستهدف تغيير الهوية والمعادلة الديمغرافية لتلك المنطقة، الأمر الذى سيفتح الباب أمام عودة التطرف الدينى والإرهاب. وقد تضحك، حين تعرف أن ناريندرا مودى، رئيس الوزراء الهندى، قال فى خطاب بثه التليفزيون الرسمى، إن الهدف من قرار إلغاء الحكم الذاتى هو تحرير الإقليم من «الإرهاب».
الثابت، هو أن الإرهاب موجود فعلًا، وليس فى حاجة إلى من يفتح له الباب. ولعلك تتذكر أننا سبق أن تناولنا جماعة «مسعود أظهر» التى اختلفت أسماؤها: «جيش محمد»، «أفضل جورو»، «المرابطون» أو «طريق الفرقان». وطبعًا، ازداد الوضع تعقيدًا بعد أن أعلنت «وكالة أعماق» التابعة لتنظيم «داعش الإرهابى»، فى مايو الماضى، عن إقامة ولاية جديدة، فى كشمير الهندية، قالت إن اسمها «ولاية الهند». وعليه، لم نفهم موقف «منظمة التعاون الإسلامى» التى أعربت، فى بيان عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بـ«تدهور الوضع فى جامو وكشمير»، واتهمت القوات الهندية باستخدام «ذخائر عنقودية محظورة» ضد المدنيين!.
معروف أن مظفر أباد، عاصمة القسم الخاضع للسيطرة الباكستانية من كشمير، هى معقل «أظهر». وسبق أن احتشدت جماعته هناك، لتستمع إلى خطاب تليفونى ألقاه من مكان مجهول، أكد لهم فيه أن لديه الآلاف على استعداد للقتال حتى الموت. صحيح أن باكستان، فور صدور قرار مجلس الأمن، أعلنت عن تجميد أصول «أظهر» ومنعه من شراء أسلحة وذخائر، إلا أنها ردت على مطالبة الهند بتسليمه، بأن مكانه غير معروف. مع أن الموقع الإلكترونى لوزارة الخزانة الأمريكية يؤكد أنه يسكن فى مدينة «بهاولبور» فى إقليم البنجاب، شرقى باكستان. كما أن هناك تقارير عديدة ذكرت أنه يدخل ويخرج من كشمير الهندية بجواز سفر برتغالى. وبكل تأكيد، صارت حركته أسهل، بعد إعلان تنظيم «داعش» قيام ولايته هناك!
الفيلم الهندى الباكستانى الطويل، ليس من المتوقع أن ينتهى قريبًا. ولا ينبغى، وأنت تتابع أحداثه، أن تنحاز لأحد الطرفين، بشكل مطلق. وتكفى الإشارة إلى أن الهند كثيرًا ما طالبت باكستان بـ«وقف دعم الإرهابيين والجماعات الإرهابية التى تنشط على أراضيها»، بينما كانت إسلام أباد ترد برفضها تلك المطالب، وتؤكد أنها تدين دائمًا أعمال العنف فى أى مكان فى العالم!.