رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مَن قتل جيفرى إيبستين؟


أراهنك على أغلى حاجة عندك، على «الموبايل» مثلًا، أنك ستشاهد فيلمًا بهذا العنوان، بين عدة أفلام أمريكية، سيتم إنتاجها خلال السنوات القادمة عن تاجر الجنس «جيفرى إيبستين»، الذى أعلن المكتب الاتحادى الأمريكى للسجون، يوم السبت، عن العثور عليه ميتًا فى زنزانته بمركز «متروبوليتان»، انتظارًا لمحاكمته منتصف العام القادم!.

الرواية المتداولة، عن وفاة الرجل منتحرًا، لا تليق بتاريخه الإجرامى الممتد لأكثر من ربع قرن، أو بثروته التى تجاوزت نصف المليار دولار، أو بصداقاته وعلاقاته الوثيقة بعدد من كبار السياسيين فى العديد من دول العالم، بدءًا من الرئيسين الأمريكيين الحالى والأسبق، دونالد ترامب وبيل كلينتون، ومرورًا بالأمير أندرو، نجل إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا، وليس انتهاءً بإيهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق، العائد حديثًا إلى الساحة السياسية بعد فترة انقطاع، وأعلن عن تشكيل حزب جديد، بهدف الإطاحة برئيس الوزراء الحالى بنيامين نتنياهو، فى الانتخابات المقرر إجراؤها الشهر القادم.

تم إلقاء القبض على إيبستين «٦٦ سنة»، فى ٦ يوليو الماضى، لاتهامه بالاتجار فى الجنس، واستدراج عشرات القاصرات، بعضهن فى سن الرابعة عشرة، وإجبارهن على إقامة علاقات جنسية فى منازل عديدة يملكها، بين عامى ٢٠٠٢ و٢٠٠٥ على الأقل. أما وفاته، فجاءت بعد يوم واحد من الكشف عن دعوى قضائية جديدة اتهمته فيها إحدى ضحاياه باحتجازها واسترقاقها جنسيًا، وإرغامها على ممارسة الجنس مع ما لا يقل عن ٦ شخصيات بارزة.

الاتهامات، كما ترى، ليست جديدة. وما يدهش أكثر هو أنه سبق التحقيق فيها، سنة ٢٠٠٨، عندما كان ألكسندر أكوستا، وزير العمل الأمريكى المستقيل، مؤخرًا، يشغل منصب المدعى العام الفيدرالى فى ولاية فلوريدا. وكان سبب الاستقالة، هو الكشف عن توصله لاتفاق سرى أدى إلى إفلات «إيبستين» من الملاحقات الفيدرالية، بأن أقر الأخير بارتكاب جريمة أقل درجة، ليعاقب بالحبس لمدة ١٣ شهرًا، كان مسموحًا له خلالها بمغادرة محبسه خلال ساعات النهار. وهو الاتفاق الذى أعلن الادعاء الاتحادى فى نيويورك، بعد ١١ سنة، أنه غير ملزم!.

وزير العدل الأمريكى، وليام بار، قال إنه «أصيب بالفزع» عندما عرف بوفاة «إيبستين» فى زنزانته. وأكد، فى بيان، أن هناك تحقيقًا فى الواقعة يجريه المفتش العام للوزارة ومكتب التحقيقات الفيدرالى. وككل «الناس العاقلين» قالت آيا ديفيز، المتحدثة باسم مكتب الفحص الطبى الرئيسى فى نيويورك، إنها لا تستطيع تحديد سبب الوفاة قبل تشريح الجثمان. غير أن ما يشكك، من حيث المبدأ، فى رواية الانتحار هو أن المذكور كان محتجزًا تحت «رقابة خاصة» فى «وحدة خاصة» بمركز «متروبوليتان»، الأكثر أمنًا، الذى سبق أن استضاف خواكين جوزمان، «إل شابو»، مهرب المخدرات المكسيكى الشهير، لأكثر من سنتين. وفيه يقوم اثنان من الحراس بالتفتيش على السجناء كل ٣٠ دقيقة، تقل إلى ١٥ دقيقة لو كانوا خاضعين لرقابة خاصة.

الفضائح التى صاحبت إلقاء القبض على «إيبستين» فى الولايات المتحدة، صاحبتها أيضًا فضائح داخل ما توصف بـ«دولة إسرائيل»، وكانت سببًا فى مكايدة سياسية بين «نتنياهو» و«باراك»، الحليفين السابقين سابقًا، بدأت بتغريدة كتبها الأول، فى ٧ يوليو، تضمنت صورة شاشة «سكرين شوت» من تقرير حول علاقة إيبستين وباراك. وجاء فى التقرير أن الأول كان عضوًا فى مجلس أمناء مؤسسة «فكسنر»، سنة ٢٠٠٤، عندما منحت الثانى نحو ٢.٥ مليون دولار، بزعم أنها مقابل «خدمات استشارية وبحثية». وحتى تتضح الصورة نشير إلى أن تلك المؤسسة أنشأها «ليس فكسنر»، صاحب شركة «L Brands»، المالكة لـ«Victoria’s Secret»، أكبر سلسلة محلات متخصصة فى بيع الملابس الداخلية.

باراك وإيبستين جمعتهما، أيضًا، شراكة فى شركة تكنولوجية، قامت بتطوير برامج تحديد المواقع الجغرافية. كما تم تسريب صورة للأول وهو يدخل متخفيًا إلى أحد المنازل المملوكة للثانى. وعنها كتب «نتنياهو» ساخرًا: «لو كانوا قد التقطوا صورًا لوالدى وهو ذاهب إلى منزل إيبستين الريفى، لتصدر الخبر كل نشرات الأخبار». وردًا على رئيس الوزراء الإسرائيلى، الذى يواجه اتهامات بالفساد فى ثلاث قضايا، كتب «باراك»: «يؤلمنى أرى أشخاصًا أعرفهم يواجهون مشكلات واتهامات جنائية، نتنياهو، ثم إيبستين. أتمنى لكليهما التماسك حتى تظهر الحقيقة».

بيزنس، جنس، وسياسة.. اتهامات، تواطؤ، وإفلات من الملاحقة.. إعادة فتح القضية، احتجاز، اتهامات وفضائح جديدة، وانتحار.. مراكز أبحاث، شركات تكنولوجية وملابس داخلية.. أمريكا بريطانيا وما توصف بـ«دولة إسرائيل».. علاقات متشعبة داخل الحدود وخارجها، نفوذ.. ومعادلات وخلطات تصلح لإنتاج أفلام مثيرة وممتعة، لكنها لن تقدم إجابة قاطعة على ذلك السؤال الذى قد يحمله عنوان واحد منها: مَنْ قتل جيفرى إيبستين؟.