رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فساد فى الأمم المتحدة


موظفون أرسلتهم الأمم المتحدة إلى اليمن للتعامل مع الأزمة الإنسانية التى خلفتها الحرب، استغلوا وظائفهم فى تحقيق مكاسب شخصية لهم ولآخرين، وباعوا أنفسهم لميليشيات مسلحة، وضعوا مقراتهم وسياراتهم وكل إمكانياتهم رهن إشارتها، مقابل اقتسام المساعدات والتبرعات المتدفقة على البلاد، وحرموا الأشقاء، فى البلد الحزين، من الأغذية والأدوية ومليارات الدولارات التى جرى التبرع بها لصالحهم، طوال السنوات الخمس الماضية.

فساد للرُّكب، كشفته وثائق، اطلعت عليها وكالة أنباء «أسوشيتد برس»، وأكد محتواها مسئولون حكوميون، حاليون وسابقون، وثمانية أشخاص على اطلاع بالتحقيقات الداخلية التى تجريها المنظمة الدولية، بشأن اتهام موظفى وكالاتها، فى اليمن، بالفسادين المالى والإدارى. ولعلك تتذكر أننا سبق أن تناولنا، فى فبراير ٢٠١٨، تقارير، شهادات، وشكاوى موثقة عن تعرض نساء وفتيات، فى سوريا، للاستغلال والاعتداء الجنسى، مقابل الحصول على مساعدات إنسانية، وإلى الآن، لم تتخذ الأمم المتحدة أى خطوات جدية للتعامل معها، بل حاولت، وقتها، تبريرها بزعمها أن اللجوء إلى أطراف ثالثة هو الطريقة الوحيدة لتوصيل المساعدات فى المناطق الخطرة.

الانتهاكات «أو الجرائم» فى سوريا، حدثت «وتحدث» منذ ثمانى سنوات، تحت سمع المنظمة ووكالات، التى توصف بأنها «إنسانية»، وأكد كثيرون بينهم دانييل سبنسر، المسئولة بإحدى الجمعيات الخيرية، أنهم أبلغوا بها مختلف وكالات الأمم المتحدة. أما الوثائق والمعلومات التى جمعتها وكالة «أسوشيتد برس»، فكشفت عن تورط موظفى المنظمة الدولية فى اليمن، فى جرائم فساد مالى، وفى التعاون مع الحوثيين، بل وفى القتال معهم أيضًا. كما كان سياسيون يمنيون قد أطلقوا حملة قدموا خلالها أدلة واضحة تثبت تورط عدد من الموظفين الأمميين فى جرائم فساد، أبرزهم نيفيو زاجاريا، مدير مكتب «منظمة الصحة العالمية»، الذى ذكر تقرير «أسوشيتد برس»، أن تحقيقًا فى اتهامه بـ«سوء الإدارة المالية» بدأ فى نوفمبر الماضى.

نيفيو زاجاريا، طبيب إيطالى، يعمل فى المنظمة منذ ٢٠ سنة، وتولى رئاسة مكتبها فى اليمن منذ ديسمبر ٢٠١٦ حتى سبتمبر ٢٠١٨، بعد أربع سنوات قضاها فى الفلبين. ومنها اصطحب عددًا من الشباب، وأسند إليهم مناصب ذات رواتب مرتفعة، لم يكونوا مؤهلين لها، بينهم طالبان بجامعة فلبينية، كان كل دورهما هو رعاية كلبه، وغير رعاية كلب «زاجاريا»، وهى طبعًا مهمة شاقة وعظيمة، قامت موظفة فى المنظمة اسمها تميمة الغولى بإضافة أسماء وهمية فى قوائم الرواتب والأجور، ولم يفتها أن تضع اسم زوجها القيادى البارز فى الميليشيات الحوثية.

الأكثر من ذلك، هو أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» أتاحت لقياديين، فى تلك الميليشيات، استخدام سيارات تابعة لها، ومعروف أن «اليونيسف»، وغيرها من الوكالات التابعة للأمم المتحدة تخطر التحالف، الذى تقوده السعودية، بتحركات سياراتها لضمان سلامة العاملين لديها، كما نقل الموقع الرسمى لوزارة الدفاع اليمنية «سبتمبر. نت» عن «مصادر خاصة» أن المنظمة الأممية تكفلت عبر منظمة «الشراكة العالمية من أجل التعليم» بتمويل «المراكز الصيفية التى تقيمها جماعة الحوثى فى العاصمة صنعاء، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتى تستهدف من خلالها تطييف المجتمع واستقطاب الأطفال للجبهات».

قبل شهور، من تقرير «أسوشيتد برس»، زعم تقرير صادر عن لجنة تابعة للأمم المتحدة معنية باليمن، أن الميليشيات الحوثية تمارس ضغوطًا على وكالات الإغاثة، لإجبارها على تعيين موالين لها، وعليه، تكون واهمًا، كالحكومة اليمنية، لو راهنت على التحقيقات الداخلية، التى تجريها المنظمة الدولية، أو لو انتظرت اتخاذ أى إجراءات صارمة، أو غير، ضد موظفيها الفاسدين، وبغض النظر عن كون هذه التحقيقات لا ترقى إلى المستوى اللازم لاقتفاء أثر مليارات الدولارات التى اختفت أو جرى تحويلها إلى حسابات «أو خزائن» مسئولين، أمميين ويمنيين، سابقين وحاليين، فإنك لن تستطيع أن تتجاهل واقعة تثبت اختفاء الأدلة.

محققون أرسلتهم الأمم المتحدة، إلى مكتبها فى صنعاء، فى أكتوبر الماضى، وبعد أن أنهوا أعمالهم، قاموا بالتحفظ على مجموعة من أجهزة الكمبيوتر المحمولة ووحدات تخزين بيانات خارجية «هارد ديسك»، اعتقدوا أن بها أدلة على وقوع جرائم، لكن، قبل دقائق من مغادرتهم الأراضى اليمنية، اقتحم مسلحون حوثيون، صالة المطار، وقاموا بتفتيش المحققين، واستولوا على الأجهزة ووحدات التخزين قبل أن يسمحوا لهم بالمغادرة، ونقلت «أسوشيتد برس» عن ستة مسئولين، حاليين وسابقين، أن موظفة فى منظمة الصحة العالمية، هى نفسها تميمة الغورى، أبلغت الحوثيين، بأمر هؤلاء المحققين، خشية افتضاح اختلاساتها.

التحقيقات، إذن، قد تنتهى إلى لا شىء لاختفاء الأدلة، وبما أن المصالح السياسية والاقتصادية لدول بعينها هى التى تحكم أداء الأمم المتحدة، وتتحكم فيه، فإن جرائم موظفى المنظمة سيتم، غالبًا، تجاهلها، كما تم تجاهل جرائم الدول الداعمة للإرهاب، الثابتة والمستمرة.