رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لن تسكت البنادق


التقرير الخاص بالأمن والسلم فى قارة إفريقيا، سيتم رفعه إلى قمة رؤساء وحكومات دول الاتحاد الإفريقى، المقرر انعقادها فى فبراير القادم. ويتوقع إدمور كامبودزى، مسئول الإدارة المختصّة بإعداد التقرير، أن يُقال وقتها إن دول القارة لم تستطع الالتزام بـ«إسكات البنادق» فى الموعد المحدد!.

مبادرة «إسكات البنادق» تهدف إلى إنهاء الحروب والنزاعات فى إفريقيا بحلول سنة ٢٠٢٠. وخلال اجتماع لجنة التعاون والعلاقات الدولية وفض النزاعات بالبرلمان الإفريقى، الذى انعقد، الثلاثاء، فى مقر مجلس النواب بالقاهرة، قال «كامبودزى» إن دول القارة لن تتمكن من ذلك، لأنها لا تستطيع اتخاذ قرارات بمفردها، ولا تحاول إيجاد حلول لصراعاتها. وطالب البرلمان الإفريقى بإعلان أسماء الدول التى تقوم بتهريب السلاح وتقف وراء استمرار النزاعات، متهمًا بعض الحكومات الإفريقية بالتستر على تلك الدول. غير أنه فعل الشىء نفسه، حين لم يذكر اسم قطر وهو يشير إلى تورط «دولة بمنطقة الشرق الأوسط» فى تهريب السلاح لدول القارة!.

هى قطعًا تلك الدولة أو الدويلة، التى لا تزال المنظمات والمؤسسات، الإقليمية والدولية، تتجاهل أو تتغافل عن مئات الأدلة والإثباتات التى تؤكد أنها تكاد تكون «ماسورة المجارى الأم» التى تتحكم فى حركة ما تحمله المواسير الفرعية من مخلفات وصراصير وجرذان وإرهابيين. لكن ما قد يطمئن، قليلًا، هو أن محاولات الحكومة الفيدرالية الصومالية للتعتيم على إحدى جرائم قطر، باءت بالفشل، مع استمرار ضغوط سلطات ولاية «بونتلاند» على الرئيس الصومالى.

على غير رغبة الحكومة الفيدرالية الصومالية والرئيس الصومالى، تتمسك سلطات الولاية بإجراء تحقيق بشأن المكالمة التليفونية، التى نشرتها جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية، وكشفت عن قيام خليفة كايد المهندى، رجل الأعمال «أو المخابرات» المقرب من تميم بن حمد، وحسن بن حمزة بن هاشم، السفير القطرى فى مقديشيو، بتبادل التهانى بعد وقوع تفجيرات استهدفت مدينة بوصاصو الساحلية، التابعة للولاية، ولاية «بونتلاند»، وأقرا بأن منفذى التفجيرات أصدقاؤهم، وبأنهم فعلوا ذلك «لتعزيز مصالح قطر» وإلحاق الضرر بخصومها.

ما كشفته «نيويورك تايمز» لم يكن جديدًا، أو مفاجئًا، كما أوضحنا فى مقال سابق. وكما ذكر أيضًا حزب «ودجر» الصومالى المعارض، فى بيان، أكد فيه أن كثيرًا من الصوماليين يعرفون أن قطر لها علاقات وثيقة بالجماعات الإرهابية كـ«داعش» و«حركة الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة». وعليه، دعا الحزب الحكومة الصومالية إلى قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المقربين منها، الذين يتولون مناصب حساسة فى الدولة. ومنذ أيام، نشرت جريدة «ديلى نيشن» الكينية، أيضًا، تقريرًا نقلت فيه عن خبراء فى مكافحة الإرهاب، أن ما نشرته «نيويورك تايمز» هو أحدث الأدلة، على استخدام قطر للإرهابيين فى الصومال لتحقيق أهدافها الخاصة، بعد أن حاولت طوال سنوات فرض هيمنتها على هذا البلد بـ«شراء ساسته أو بالتدخل فى انتخاباته».

قطر تتحكم، بالفعل، منذ سنوات فى مصير الشعب الصومالى، وحولت بلاده إلى ساحة صراعات بين كثير من القوى الخارجية على اكتساب النفوذ. وعبر وكلاء «أو عملاء» محليين يعملون لحسابها، تمكنت من شراء انتخابات الرئاسة سنة ٢٠١٢ لصالح شيخ حسن محمد، ثم شراء انتخابات ٢٠١٦ التى أتت بـالرئيس الحالى، محمد عبدالله فرماجو. وقبل ذلك، ومنذ سنة ٢٠٠٨، قام النظام القطرى، ولا يزال، بدعم ما توصف بـ«حركة الشباب المجاهدين» الإرهابية.

مطامع الدولة الصغيرة غير المحدودة، خارج حدودها، جعلتها تنتهج سياسة انتهازية، باتت تشكل خطرًا على منطقة القرن الإفريقى بوجه عام. وهناك مئات الأدلة على دعم العائلة الضالة التى تحكم قطر بالوكالة، ومَن يستعملونها، للتنظيمات الإرهابية، التى تنشط فى دول القارة، وفى غيرها، بدءًا من الإخوان، القاعدة، «داعش» و.. و.. وليس انتهاءً بـ«حركة الشباب». وإجمالًا، يمكننا التأكيد على أن قطر هى إحدى أكثر الدول التى عرقلت «وتعرقل» كل الجهود الدولية لإعادة بناء العديد من دول القارة، بعد عقود من صراعات دموية، فككتها طائفيًا وقبليًا. لكن ما اختلف منذ سنتين، هو أنها قامت بتحويل هذه الدول إلى جبهات فى صراعها مع الدول الرافضة لسياساتها التخريبية، ولتخفيف وطأة المقاطعة المفروضة عليها منذ منتصف ٢٠١٧، من جانب الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب: مصر، الإمارات، السعودية، والبحرين.

لن تسكت البنادق فى القارة السمراء، ولن تتمكن دول القارة من الالتزام بالإطار الزمنى المحدد للمبادرة، أو بخارطة الطريق التى وضعها الاتحاد الإفريقى، تحت رئاسة مصر. كما لن تسفر جهود تطوير هيكل السلم والأمن عن أى شىء، مع استمرار الصراعات وتصاعد التوترات وتعقّد النزاعات، وتمدّد الجماعات والتنظيمات والحركات الإرهابية، التى تنطق غالبيتها، كما غالبية بنادقها، بلسان قطرى، تركى، وإسرائيلى، زاعق وناعق.