رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دبلوماسية التجسس والإرهاب!



دبلوماسيون أتراك، فى سفارة أنقرة وممثلياتها فى الولايات المتحدة، تجسسوا على معارضى الرئيس التركى، رجب طيب أردوغان، هناك. والكلام على عهدة موقع «نورديك مونيتور» السويدى، الذى نقل عن وثائق سرية ما يؤكد تورط الدبلوماسيين الأتراك فى أنشطة تجسسية.
لم يعد هناك أدنى شك فى أن الدبلوماسيين الأتراك والقطريين، فى مختلف عواصم العالم، عملوا جواسيس، وأشرفوا على شبكات تجسس، وقاموا بنقل أسلحة وتكوين ميليشيات إرهابية، وأداروا شبكات سرية لغسل الأموال. ومنذ أيام توقفنا عند المكالمة التليفونية التى نشرتها جريدة «نيويورك تايمز» الأمريكية وأثبتت ضلوع السفير القطرى فى الصومال فى عمليات إرهابية قامت بها تنظيمات «القاعدة» و«داعش» و«حركة الشباب المجاهدين» الصومالية،. وأشرنا أيضًا إلى الدور الذى يلعبه السفير القطرى فى أديس أبابا، كاستضافته، منذ أسابيع، اجتماعًا بين مسئول فى المخابرات القطرية، واثنين من قادة الحركات المسلحة السودانية.
الدبلوماسيون الأتراك فعلوا مثل ذلك وأكثر. لكن ما يعنينا الآن هو الوثائق التى نشرها الموقع السويدى، والتى كانت عبارة عن مراسلات رسمية صادرة عن السفارة التركية فى واشنطن، والقنصليات فى نيويورك وهيوستن وشيكاغو، موجهة إلى وزارة الخارجية التركية، تتضمن قوائم بأسماء معارضى أردوغان والجهات التى يعملون بها، مع رصد تفصيلى لنشاطات هؤلاء الأشخاص وتلك الجهات.
مدارس، شركات، ومنظمات غير حكومية فى نيويورك وواشنطن العاصمة وجورجيا وبنسلفانيا وتكساس وشيكاغو، وهناك، مثلًا، مدرسة فى ولاية نيوجيرسى، أرسل الدبلوماسيون الأتراك معلومات عن مشاركتها فى مسابقة فيدرالية، وأعربوا عن ضيقهم من اهتمام مسئولى الولاية بها، واستنكروا حضور شخصيات قيادية فى الأنشطة الثقافية التى تنظمها، لمجرد أن المدرسة يعمل بها معارضون أتراك. وهناك أيضًا جمعية البلقان الأمريكيين، وهى منظمة غير حكومية مقرها فى نيوجيرسى وتعمل على تعزيز العلاقات بين دول البلقان والولايات المتحدة، شملت المعلومات أنشطة رياضية واجتماعية وثقافية ترعاها الجمعية.
طبقًا للوثائق التى نقلها الموقع السويدى، فإن وزارة الخارجية التركية طلبت رصد أنشطة قائمة طويلة من الكيانات، فى العديد من الدول الأوروبية منها ألمانيا وفرنسا وألبانيا والنمسا وبلجيكا والبوسنة والهرسك وبلغاريا وجمهورية التشيك والدنمارك وفنلندا وكرواتيا وهولندا والمملكة المتحدة والسويد وجمهورية كوسوفو ولاتفيا وليتوانيا ولوكسمبورج والمجر ومقدونيا ومولدوفا والنرويج والبرتغال ورومانيا وسلوفينيا وصربيا وأوكرانيا.
بإضافة هذا الوثائق إلى وثائق أخرى سابقة، نكون أمام عمليات تجسس ممنهجة يقوم بها الدبلوماسيون الأتراك، أو أمام تطبيق عملى لسياسة «الذارع الطويلة» التى يستهدف بها النظام التركى معارضيه فى الخارج. وكان موقع «نورديك مونيتور»، أيضًا، قد كشف فى يونيو الماضى عن أن أردوغان لاحق معارضيه فى جورجيا عبر تعيين ضباط فى السفارة التركية هناك، تحت غطاء دبلوماسى، بينهم ضابط اسمه يجور كووز، تم تعيينه فى ٢٥ فبراير ٢٠١٨، واتضح أن وظيفته كانت التجسس على المعارضين. ولعلك تعرف أن السنوات الأخيرة، شهدت تزايدًا فى أعداد الأتراك طالبى اللجوء فى أوروبا، هربًا من مصير نصف مليون تركى تم اعتقالهم خلال السنوات الثلاث الماضية باتهامات ملفقة.
الأكثر من ذلك، هو أن العام الماضى شهد عمليات اختطاف مئات المواطنين الأتراك من أذربيجان وأوكرانيا والجابون، فى حين أحبطت منغوليا، فى اللحظات الأخيرة، واحدة منها. كما فتحت سويسرا تحقيقًا وأصدرت مذكرات اعتقال ضد اثنين من الدبلوماسيين بالسفارة التركية، بعد تورطهما فى محاولة اختطاف رجل أعمال سويسرى، من أصل تركى، معروف بانتقاده لأردوغان. والغريب، أن عمليات الاختطاف لم تعد سرًا. بل إن الأغرب والأعجب هو أن جاويش مولود أوغلو، وزير الخارجية التركى، تفاخر فى سبتمبر الماضى، بأن ١٠٠ شخص، على الأقل، تم اختطافهم وإعادتهم إلى تركيا!. غير التجسس على المعارضين أو اختطافهم، تستخدم تركيا وقطر دبلوماسييها، كما أشرنا، فى دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية. ومعروف أن سفراء ودبلوماسيين من الدولتين أجروا اتصالات بقيادات تنظيمات إرهابية فى العراق وليبيا وتونس والجزائر، لبناء تحالفات بين تلك التنظيمات، ولترتيب عودة مقاتلى «داعش» و«القاعدة» إلى ليبيا وتحويلها إلى قاعدة رئيسية للإرهاب. كما سبق أن افتضح دور السفيرين التركى والقطرى فى بغداد، بعد تسريب رسائل نصية وصوتية جرى تبادلها بين محمد بن عبدالرحمن آل ثانى، وزير الخارجية القطرى، وسفيره، زايد بن سعيد الخيارين، الذى كان قبل عمله سفيرًا لقطر فى العراق يحمل رتبة عقيد فى المخابرات القطرية!.
الخلاصة.. إن السفارات والممثليات الدبلوماسية التركية والقطرية ليست أكثر من أوكار للتجسس والإرهاب، وحال عدم تحرك المنظمات والمؤسسات، الإقليمية والدولية، وحال استمرار تجاهل مئات الأدلة والإثباتات على جرائم أنقرة والدوحة الثابتة، تكون هذه المؤسسات وتلك المنظمات قد ضربت مصداقيتها، أو ما بقى منها، فى مقتل.