رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تونس.. البلطجة عنوان المرحلة


 

العنوان أنقله عن ليلى الهمامي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن، التي أعلنت ترشحها في انتخابات الرئاسة التونسية المقبلة، وأوضحت أن تونس تعاني من فوضى وارتباك في ظل ممارسات «حركة النهضة» الإخوانية، وسعيها إلى إقصاء منافسيها بتواطؤ من حكومة يوسف الشاهد، وعبر التعديلات التي أدخلتها على قانون الانتخابات.

أهم ملامح الوضع السياسي في تونس تلخصها «الهمامي» في الفوضى والارتباك وهيمنة ثقافة الإقصاء والبلطجة السياسية، ومناخات مسمومة لا تخلو من العنف في مستوى الخطاب والتشريع، وصولًا إلى العنف المادي في أكثر من مناسبة. وتؤكد أنها شخصيًا تعرضت لهذا الشكل من العنف. وتتهم الائتلاف الحاكم، الذي تقوده «حركة النهضة»، بأنه سمم المناخ السياسي في تونس، سعيًا إلى فرض استمراره في الحكم بكل الوسائل. موضحة أن «حركة النهضة» هي المسئولة عن كل النتائج الكارثية، اقتصاديًا واجتماعيًا.

تعرضت «الهمامي» للتشويه والملاحقات، وتم حرق مقر إقامتها وسرقة سيارتها، لأنها عارضت الإخوان وهاجمت سياستهم التخريبية. ولا تشك، ولو للحظة، في أن «حركة النهضة» تتحمل مسؤولية العنف السياسي الذي عاشته البلاد منذ 14 يناير 2011، وتؤكد أن الحركة على استعداد لإعادة السيناريو نفسه حال تأكدها من هزيمتها في الانتخابات القادمة. وتستشهد بتصريحات قيادييها التي حملت تهديدات واضحة. وكذا بتصريحات للرئيس السبسي، رحمه الله، أكد فيها أنه اضطر إلى إشراك الحركة في الحكومة تجنبًا لما وصفها بـ«مطبات العنف».

قلنا أمس إن المنافسة الحقيقية في انتخابات الرئاسة ستكون بين أربعة: يوسف الشاهد، راشد الغنوشي، المنصف المرزوقي، ونبيل القروي. ولامنا البعض لأننا تجاهلنا ليلى الهمامي، مع أن الأمر لو كان بالعواطف أو التمنيات، لوضعناها على رأس المرشحين. غير أننا لو فعلنا ذلك، نكون قد كررنا خدعة استطلاعات الرأي التي تصدر نتائجها «القروي» وحزب «قلب تونس»، الذي أسسه منذ أسابيع. مع أنه وشقيقه غازي تم استدعاؤهما، مجددًا، منذ أيام، للمثول أمام قاضي التحقيق، ووجه إليهما الادعاء التونسي اتهامات عديدة بينها غسيل الأموال والتهرب من الضرائب و... و.... إلخ.

تشكيكنا في نتائج تلك الاستطلاعات لا ينفي أن «القروي» رقم صعب في المعادلة. كما أن قرفنا من «الغنّوشي»، رئيس حزب «حركة النهضة» الإخوانية، ومن «المرزوقي»، رئيس حزب «الحراك» الإخواني بشرطة، وكون الاثنان وجهين لـ«غراب» واحد، لا ينفي أنهما مدعومان من تركيا، قطر، باريس، برلين، لندن، وربما من واشنطن. ولو جاز للغراب أن يطل  بوجه ثالث، سيكون هو وجه يوسف الشاهد. وبالتالي، نكون أمام حدأة (حدّاية) وغراب له ثلاثة وجوه. ما يعني أن فرص «اليمامة» تكاد تكون منعدمة. 

اليمامة نفسها، أو ليلى الهمامي، تتوقع ألا تكون انتخابات 2019، البرلمانية والرئاسية في تونس، نزيهة ولا شفافة، مادامت التشريعات والممارسات السياسية تحت سيطرة حركة النهضة الإخوانية التي عطلت تشكيل المحكمة الدستورية من أجل الإبقاء على هيئة مؤقتة لمراقبة دستورية القوانين، قامت بتنصيبها منذ حكمها الأول الممتد من 2011 إلى 2013. وأكدت أن الانتخابات التشريعية تحولت إلى سوق يحكمه قانون العرض والطلب، ويتحكم فيها المال السياسي، الذي كان القوة المرجحة خلال انتخابات 2014، والذي على الرغم من تقارير دائرة المحاسبات، لم يخضع لمتابعة قضائية وإدارية. ولم تفض الطعون إلى أي نتيجة.

سيطرة المال الفاسد على السياسة والإعلام في تونس، جعل عددًا ممّن يتصدرون المشهد السياسي هناك، بلا أفكار أو برامج، وغير معنيين بتقديم إجابات عن الأسئلة التي يطرحها الشعب بشأن الفقر، البطالة، التعليم، الصحة، التنمية، والعلاقات الدولية. وبقليل من المتابعة، ستكتشف أن دور هؤلاء يتلخص في طرح مضامين مدفوعة الثمن، أو تنفيذًا لشروط التمويل الأجنبي الذي أغرق الساحة السياسية التونسية عبر أكثر من 250 حزبًا سياسيًا، لم تلتزم كلها تقريبًا بالمرسوم التشريعي رقم 87، الصادر في 24 سبتمبر سنة 2011، الذي يحظر «أي شكل من أشكال التمويل الأجنبي»، وينظم آليات تقديم التبرعات والهبات، ويلزم كل حزب بأن «ينشر تقاريره المالية»، ويقدمها بعد ذلك إلى ديوان المحاسبة.

الرهان على منع «إخوان تونس» من التمدد والسيطرة، بات صعبًا، أو يكاد يكون مستحيلًا، بعد أن تمكنوا من وضع أيديهم على مفاصل الدولة بتواطؤ من تسع حكومات، بدت في ظاهرها معادية لهم، لكنها في الحقيقة كانت متحالفة معهم وملتزمة بتوجيهاتهم. ومع ذلك، لا يزال الغرب، والتابعون يزعمون أن تونس هي صاحبة النجاح الديمقراطي «الوحيد» بين دول ما يوصف بـ«الربيع العربي»، على خلاف الواقع الذي يقول إن البلطجة كانت، ولا تزال، عنوان المرحلة، التي قد تنتهي بكوارث، لا نملك حيالها إلا أن نكون مع الأشقاء بقلوبنا، وهذا أضعف الإيمان!.