رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرزق.. دعاء وأخذ بالأسباب «1»


من أجمل أنواع الذكر أن تذكر الخالق سبحانه بأسمائه الحسنى، فتقول: «يا كريم أكرمنى.. يا غنى أغننى.. يا شافى اشف ابنى.. يا نور نور صدرى.. يارحيم ارحمنى»، وعظم شىء أن تذكره باسمه الأعظم الذى إذا دُعى به أجاب، وإذا سؤل به أعطى.. فما هو اسم الله الأعظم؟

أحاديث كثير وردت عن النبى، صلى الله عليه وسلم، بصيغ مختلفة عن اسم الله الأعظم، فيجد النبى رجلًا يدعو: «اللهم إنى أسألك بأنك أنت الأحد الصمد الذى لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.. فيقول له: لقد دعوت باسم الله الأعظم الذى إذا دعى به أجاب وإذا سؤل به عطى.

ويجد النبى رجلًا آخر يدعو: يا حى يا قيوم برحمتك أستغيث، فيقول له: لقد دعوت باسم الله الأعظم، وهناك حديث ثالث يقول إن اسم الله الأعظم هو «الله لا إله إلا هو الحى القيوم»، فأى اسم من هذه هو اسم الله الأعظم، خاصة أنها كلها أحاديث صحيحة.. فكيف يكون ذلك وهو اسم واحد؟

الحقيقة أن اسم الله الأعظم هو ما وافق احتياجات فى الحياة، لأن إحساسك به سيكون عظيمًا، وسوف تردده من داخلك ومن أعماق قلبك، تعلقًا بالخالق سبحانه، فالاسم الأعظم من جهة إحساسك أنت، وأسماء الله كلها حسنى.

فعندما تكون مدينًا تسأل الله أن يسد دينك وأن يقضى لك حاجتك فادع: يا كريم.. يا غنى، يا رزاق، يا واسع، وعندما تكون خائفًا من هم كبير ادع: يا حى يا قيوم، وعندما تكون مشتاقًا لحب الله.. ادع: يا ودود أسألك ودك.. يا ودود أسألك حبك.

وقد ورد اسم الرزاق مرة واحدة فى القرآن الكريم فى سورة الذاريات. فى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ»، وإن كانت الإشارة إلى كونه سبحانه هو الرزاق الذى ينزل عطاؤه على عباده من أهل الأرض والسماء، من غير توقف ولا انقطاع، جاءت بصور متعددة فى القرآن.

عندما نزل قول الله تعالى «وَفِى السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ»، سمعها إعرابى يزور المدينة مرة كل سنة، فبكى فرحًا وسافر فلما رجع السنة التالية، نزلت بقية الآية «فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ»، فقال الرجل: ماذا فعلتم ليقسم لكم الله أن رزقكم مضمون؟

يقول «ابن القيم»: ورزق الله لعباده نوعان: عام وخاص.

الرزق العام: هو ما يوصله لجميع المخلوقات مما تحتاجه فى معاشها وقيامها، فسهل لها الأرزاق، ودبرها فى أجسامها، وساق إلى كل عضو صغير وكبير ما يحتاجه من القوت، وهذا عام للبر والفاجر، والمسلم والكافر، بل للآدميين والجن والحيوانات كلها، وعام أيضًا من وجه آخر فى حق المكلفين، فإنه قد يكون من الحلال الذى لا تبعة على العبد فيه، وقد يكون من الحرام ويسمى رزقًا ونعمة بهذا الاعتبار، ويقال «رزق الله» سواء ارتزق من حلال أم من حرام وهو مطلق رزق.

والرزق الخاص، هو الرزق النافع المستمر نفعه فى الدنيا والآخرة، وهو الذى على يد الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو أيضًا قسمان:

رزق القلوب بالعلم والإيمان وحقائق ذلك، فإن القلوب مفتقرة غاية الافتقار إلى أن تكون عالمة بالحق، مريدة له، متألهة لله متعبدة، وبذلك يحصل غناها ويزول فقرها.

ورزق البدن بالرزق الحلال الذى لا تبعة فيه، فإن الرزق الذى خص به المؤمنين والذى يسألونه منه شامل للأمرين، فينبغى للعبد إذا دعا ربه فى حصول الرزق أن يستحضر بقلبه هذين الأمرين، فمعنى «اللهم ارزقنى» أى ما يصلح به قلبى من العلم والهدى والمعرفة ومن الإيمان الشامل لكل عمل صالح وخلق حسن، وما به يصلح بدنى من الرزق الحلال الهنىّ الذى لا صعوبة فيه ولا تبعة تعتريه.