رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواطنة «يوليو 1952»


بعد ثورة يوليو تم ضرب الطبقتين اللتين كان الأقباط يشاركون من خلالهما فى الحياة السياسية والعامة وهى طبقة كبار ومتوسطى ملاك الأراضى الزراعية وجماعة الأفندية من المدنيين
ونحن نحتفل هذه الأيام بذكرى ٢٣ يوليو ١٩٥٢، يمكننا الجزم بأن زمن ولاية «عبدالناصر» قد شهد حالة سلام اجتماعى وإنسانى نسبية فى الشارع المصرى، ولم يحدث فى فترة حكمه أن أثيرت الفتن الطائفية بالكم والبشاعة مثلما حدثت فى الزمن الساداتى أو المباركى حيث توحش بنيان الأخطبوط الطائفى الظلامى.
لكن- للأسف- فإن بعض ما تم رصده فى مجال علاقة المسيحيين بنظام تلك الثورة الناصرية فى أيامها الأولى، يرى الكثير من الباحثين أن المواطن المسيحى قد خرج فيها من دائرة المشاركة فى العمل السياسى عقب قيام الحركة المباركة «حركة الضباط الأحرار» كما أطلق عليها البعض، وأن معالجة الأمر فى تطبيق مبادئ سعد زغلول ومصطفى النحاس التى صعدت بمصر فى زمانهما إلى مراتب وتصنيف الدول المتقدمة سياسيًا رغم وجود الاحتلال البريطانى، فإن تلك الحركة قد غيبته للأسف بشكل عاجل.
فى عهد ناصر كان قرار إنشاء مكتب التنسيق، والذى يرى البعض- وأنا معهم- أنه أحد أهم القرارات لثورة يوليو، حيث كان يمثل، وما زال، الضمانة ذات الأثر الفاعل للغلابة والمساكين، ومن وصفهم البعض بأنهم «أولاد الناس اللى مالهمش ناس تانية تجيب لهم حقهم»، وأظن أن القرار قد قام بسد منابع الشكوى من التمييز على أساس المحسوبية والفساد أو التمييز الدينى أو الاجتماعى فى ذلك الجانب، والتى قد يعانيها البعض منا فى جوانب أخرى حياتية، وذلك حتى يتاح بديل علمى وإنسانى لوجود ذلك المكتب تتاح عبره فرص متكافئة للجميع للتعليم العالى.
وبشأن علاقة الكنيسة بالرئيس عبدالناصر، فقد كانت علاقة رائعة، لقد جاء فى خطاب لقداسة البابا كيرلس السادس على سبيل المثال: «نشكر السيد الرئيس لأنه فى قيادته لجماهير شعبنا أثبت دائمًا أن قيادته تتسم بالإخلاص والوضوح والصراحة»، وقال عن بيان ٣٠ مارس وميثاق العمل الوطنى الذى صدر عام ١٩٦٢: «البيان يؤكد من جديد ما نص عليه الميثاق، وهو الحل الاشتراكى وحماية كل المكتسبات الاشتراكية وتدعيمها والتعليم المجانى والتأمينات الصحية والاجتماعية وحماية حقوق الأمومة والطفولة والأسرة».
لقد عمل البابا كيرلس السادس، على تدعيم موقف الرئيس جمال عبدالناصر، فطالب الإمبراطور «هيلاسيلاسى» بأن يتخذ موقفًا مؤيدًا لقضية مصر فى الأمم المتحدة، وشارك فى العديد من الندوات والمؤتمرات الشعبية والوطنية التى كان يحضرها أقباط ومسلمون حول النظر فى أحوال البلاد. وعندما قامت إسرائيل بضم القدس لأراضيها وتهويدها وتغيير وضعها قبل سنة ١٩٦٧، قام البابا كيرلس السادس بالاتصال بمختلف الكنائس فى العالم وحكوماتها، لكى تؤيد عدم ضم القدس للأراضى اليهودية وأدلى قداسته بالعديد من الأحاديث الصحفية، وللتليفزيون الفرنسى من أجل الحقوق العربية فى مدينة القدس، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن «الأنبا أغريغوريوس أسقف البحث العلمى.. الكنيسة وقضايا الوطن والدولة والشرق الأوسط.. الجزء الأول».. وكان قراره بمنع أقباط مصر من زيارة القدس.
ولكن يبقى لنا أن نناقش التالى:
■ قيام وزير التربية والتعليم فى أول حكومة لثورة يوليو، بإسقاط تاريخ الحضارة القبطية وشخوصها من كتب التاريخ واللغة والعلوم الإنسانية بشكل غير مفهوم.
■ تصريح لا ينساه الغاضبون من ثورة يوليو لأنور السادات فى جدة- عندما كان السكرتير العام للمجلس الإسلامى عام ١٩٦٥- بأنه خلال عشر سنوات سوف يحول أقباط مصر إلى الإسلام أو تحويلهم إلى ماسحى أحذية وشحاذين «أسامة سلامة.. مصير الأقباط.. صفحة ٢١٧».
■ ما حدث عام ١٩٥٢ أن حكومة الثورة أخذت على عاتقها أن تنوب عن الأمة، أقباطًا ومسلمين، لتحقق فكرة «الكل فى واحد»، وترتب على هذا أن الكل لم يعد يشارك فى السياسة إلا تحت مظلة التنظيمات السياسية التى أنشأتها كهيئة التحرير والاتحاد القومى والاتحاد الاشتراكى. وتحت هذا الظرف، تم ضرب الطبقتين اللتين كان الأقباط يشاركون من خلالهما فى الحياة السياسية والعامة، وهى طبقة كبار ومتوسطى ملاك الأراضى الزراعية، وجماعة الأفندية من المدنيين الذين حل رموز الثورة محلهم فى إدارة شئون الحياة المدنية.
■ أما ما تبقى من إيجابيات يوليو، فقد أجهز عليها النظام الساداتى ومن بعده الحكم المباركى، عندما أضافا لأوجاع المسيحى والفقير والمرأة وذوى الاحتياجات الخاصة وكل من ليس لهم سند فى الدنيا، ما يزيد من حجم معاناتهم، وهو التحدى الذى يعمل على مواجهته الرئيس السيسى بكل قوة.. بناء كنائس وتوفيق أوضاع وتقنين أخرى، تعيين أكبر عدد من الوزيرات، تعيين المرأة محافظة لأول مرة، المناداة بإصلاح الخطابين الدينى والثقافى، وغيرها الكثير من المواقف الرائعة، سعيًا لتحقيق الأمل فى شيوع مبادئ «المواطنة الكاملة»، وتوطيد وترسيخ خطوات تحقيق «العدالة الاجتماعية».