رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السيرة الهلالية


السيرة الهلالية ملحمة شعبية تراثية طويلة تغطى مرحلة تاريخية كبيرة فى حياة قبيلة بنى هلال، ويبلغ عدد أبياتها نحو مليون بيت شعر كانت تروى شفاهة فى مصر والصعيد بوجه خاص، حتى مرحلة الأربعينيات من القرن الماضى، وكان لها رواه تخصصوا فيها وتوارثوا طرق روايتها جيلًا بعد جيل.

كان آخر من سمعناه منهم الشيخ الضوى الذى كان آخر الشعراء الشعبيين الذين ألقوا السيرة الهلالية بمرافقة الربابة بصوته المميز وطريقة إلقائه النادرة. وتعتبر تلك الطريقة فى الإلقاء فى حد ذاتها تراثًا. وهو الذى سمعناه على خلفية الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، وهو يفسر لنا غريب الألفاظ فى الرواية، ويشرح لنا ما غمض من معانيها.

تتفرع عن السيرة الهلالية قصص كثيرة مثل قصة الأمير «أبوزيد الهلالى»، وقصص أخته شيحة المشهورة بالمكر والذكاء، والأميرة الجازية التى أحبَّها أبوزيد الهلالى ولم يتزوجها، والناعسة، ودياب بن غانم الهلالى قاتل الزناتى خليفة، والإخوة يحيى ومرعى ويونس أبناء شقيقة «أبوزيد الهلالى»، والذين رافقوه فى رحلة الريادة إلى تونس الغرب. هذا خلاف أعداد كبيرة من الشخصيات الأخرى التى رافقت تلك الملحمة والتى تشكل فى مجموعها ما يعرف بسيرة بنى هلال.

ومن أهم شعراء السيرة الهلالية الريس شمندى من الأقصر، وقناوى وهو والد الريس متقال، وجابر أبوحسين والنادى عثمان وأبوالوفا وعطاالله وغيرهم.

كما تعتبر السيرة الهلالية مصدرًا للعديد من المسرحيات والروايات فى الوطن العربى، وقد ألهمت السيرة الهلالية خيال أعداد كبيرة من المؤلفين، فكتبوا منها المسلسلات والأفلام والمسرحيات والروايات.

فقد قام المخرج حسن الجريتلى بتقديم مسرحية «خضرة الشريفة» من السيرة الهلالية، وقدم المؤلف يسرى الجندى مسلسل السيرة الهلالية فى ثلاثة أجزاء للتليفزيون.

غير أن تلك الأقلام والمسلسلات والمسرحيات تلاشت وفشلت، وضاع منها التوتر والانفعال الذى كان يصاحبنا أثناء الاستماع إليها بمرافقة الربابة، وقتها كنا نتحمس ونفرح لانتصار «أبوزيد الهلالى» ونغتم لهزيمته، ونبتهج مع انتصاره، وهكذا مع مختلف تصرفات أبطالها.

ظلت مصر تستمع إلى السيرة الهلالية بحالتها التى وصلت إلينا بها من أفواه الرواة قرونًا كاملة تتلا وتتداول بنفس النص الذى تلاه به مؤلفها المجهول الأول، وبنفس طريقته فى اللحن.

كانت السيرة الهلالية سببًا فى شهرة العديد من الشعراء والكُتّاب، ولكن الوحيد الذى اقترن بها هو الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، ومع ذلك فهو يعتقد أن السيرة الهلالية قد تسببت فى تعطيل مشروعه الشعرى.

وعن السيرة الهلالية سجلت العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وكتبت عنها مئات الأبحاث.

ولكن يبقى السؤال الذى نود أن نطرحه. أين هى السيرة الهلالية؟

لقد قامت جهات عديدة فى مصر بتدوين وتسجيل السيرة الهلالية، فقد أنفقت الهيئة العامة لقصور الثقافة على تسجيل السيرة الهلالية، إذ دعت خلال عام ١٩٩٤ عددًا من رواتها فى مؤتمر أدباء الأقاليم فى العريش ومعهم الدكتور شمس الدين الحجاجى. وقضى الدكتور الحجاجى عددًا من الجلسات فى تسجيل السيرة بمعرفة هؤلاء الرواة، وعبأ العديد من الأشرطة.

كما قام الشاعر عبدالرحمن الأبنودى بإذاعتها على حلقات فى محطة إذاعية كان اسمها إذاعة الشعب، وأذيعت مرة واحدة ولا نعرف عنها شيئًا بعد ذلك، أرجو ألا تكون تلك التسجيلات قد اختفت مع شرائط الجريدة الناطقة التى اختفت من التليفزيون وظهرت فى محطات فضائية خاصة.

كل ما أخشاه ألا تكون تلك التسجيلات قد بِيعت أو اختفت أو أتلفت بسبب سوء الحفظ والتخزين.