رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيجر.. إرهاب وقمة استثنائية



فى غربها «داعش»، وفى جنوب شرقها «بوكو حرام»، وفى شمالها الغربى يوجد المقر الرئيسى لتنظيم «القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى». والجمعة، بدأت مدينة نيامى، عاصمة النيجر، تستقبل أكثر من ٥٠ رئيس دولة وحكومة للمشاركة فى القمة الإفريقية الاستثنائية التى يتصدر الملف الاقتصادى جدول أولوياتها. وطبعًا، لن يكون لدى القمة وحضورها مثقال ذرة من إحساس، لو تم تجاهل ملف الإرهاب.
جمهورية النيجر، هى بوابة دول شمال إفريقيا إلى الدول الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. يحدها من الجنوب نيجيريا وبنين، ومن الغرب بوركينا فاسو ومالى، وتشاد من جهة الشرق وفى شمالها ليبيا والجزائر. وفى كل تلك الدول صحارى شاسعة تتخذها التنظيمات الإرهابية ملاذًا آمنًا لعناصرها بعد هزيمتها فى سوريا والعراق، واقتراب نهايتها فى ليبيا. ولم يعد سرًا أن لكل تلك التنظيمات دولًا تدعمها، بالمال والسلاح والتدريب، وتمنحها ستارًا أو غطاءً سياسيًا وأيديولوجيًا، لكى تستخدمها فى تحقيق مصالحها.
الاجتماعات التحضيرية للقمة الإفريقية الاستثنائية رقم ١٢ انعقدت الخميس. بعد ساعات من إعلان تنظيم «داعش»، مسئوليته عن هجوم استهدف معسكرًا لجيش النيجر على الحدود مع دولة مالى، غرب البلاد، راح ضحيته ١٨ جنديًا. ومع ذلك، لم تظهر أعراض القلق على محمد بازوم، وزير داخلية النيجر، بل على العكس، بدا الرجل هادئًا وهو يؤكد أن استضافة بلاده القمة «فرصة» مهمة لتغيير الصورة السائدة التى تربطها بالإرهاب وأعمال العنف. وطمأننا بأن لديهم «قوة خاصة تضم آلاف الرجال»، مشددًا على أن الإجراءات الأمنية، التى تم اتخاذها كافية جدًا لتفادى وقوع أى أعمال إرهابية أو مشكلات أمنية.
هذا عن الكلام أو التصريحات، أما عن الأفعال أو الإجراءات، فقد أعلنت النيجر عن «إجراءات أمنية خاصة» فى عموم أحياء العاصمة. وبالفعل تحولت مدينة نيامى إلى ثكنة عسكرية. وتم تحريك ١٢ ألف رجل أمن لتأمين القمة. وتحت إشراف، أو بتنسيق، مع عسكريين فرنسيين وأمريكيين ومن جنسيات أوروبية مختلفة، انتشرت وحدات الجيش بشكل واسع فى العاصمة نيامى. وتم فرض إجراءات أمنية مشددة فى محيط الفنادق الكبرى والمطاعم والأماكن العامة، التى قد يرتادها المشاركون فى القمة. وبالإضافة إلى قيام كاميرات وأجهزة متطورة بمراقبة كل الشوارع الرئيسية فى العاصمة، أعلنت السلطات النيجرية أن حركة السير فى المدينة ستشهد كثيرًا من التعقيدات والارتباكات خلال أيام القمة، داعية سكان العاصمة إلى تفهم الأمر.
الدورة الاستثنائية الـ١٢ لقمة رؤساء دول وحكومات القارة السمراء، ستشهد إطلاق «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية»، «زليك»، التى تم الإعلان عنها العام الماضى خلال القمة التى استضافتها العاصمة الرواندية كيجالى، ودخلت الاتفاقية المنشئة لها حيز التنفيذ فى ٣٠ مايو الماضى، بعد مرور شهر على وصول عدد الدول المصادقة عليها إلى ٢٤ دولة. ما يعنى بالضرورة والتبعية أن هناك أكثر من ٣٠ دولة لم تنضم بعد إلى الاتفاقية وبالتالى لن تستفيد من المميزات الاقتصادية التى ستوفرها.
مشروع «منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية» يهدف إلى إزالة الحواجز الجمركية، تسهيلًا للتبادل التجارى بين دول القارة، وتحقيقًا لمزيد من التعاون والتكامل بينها. بما يُسهم فى استكمال مسار الاندماج الإقليمى وربط الأسواق الإفريقية، ويعزز القدرة التنافسية، على مستوى الصناعات والمؤسسات، سواء باستغلال فرص الإنتاج على نطاق واسع، أو بالوصول إلى الأسواق القارية، أو عبر إعادة تخصيص الموارد بشكل أفضل.
إطلاق وتفعيل هذه الاتفاقية استحوذ على نقاشات مجلس وزراء خارجية الاتحاد الإفريقى، الذى اجتمع الخميس، فى نيامى، برئاسة وزير خارجيتنا سامح شكرى. ومن المفترض أن تنتهى تلك النقاشات، الجمعة، ليتم رفع ما تنتهى إليه من توصيات وقرارات إلى مجلس القادة. وبهذا الشكل، وبعد اعتماد الصكوك القانونية لوكالة الاتحاد الإفريقى للتنمية «النيباد»، تكون دول القارة قد قطعت خطوات كثيرة نحو مواجهة المشكلات التى تواجهها: الفقر، انخفاض معدلات التنمية، تهميش الاقتصاد العالمى. غير أن أيًا من ذلك لن يتحقق فى وجود نزاعات وصراعات من تلك التى تعانى منها غالبية دول القارة، مند عقود، والتى حالت «ولا تزال» دون تحقيق أحلام شعوبها.
.. وأخيرًا، لا نعتقد أننا نضيف جديدًا لو قلنا إن دول القارة السمراء ليس أمامها أى سبل غير بذل مزيد من الجهود المشتركة، لتحقيق تطلعات شعوبها فى الاستقرار والازدهار والحياة الكريمة. كما لا نعتقد أن تلك الجهود قد تحقق النتائج المرجوة أو المأمولة، لو لم تتمكن تلك الدول من إنهاء النزاعات والصراعات، داخلها أو حولها لو لم يتم القضاء، نهائيًا، على الإرهاب الذى يشارك شبحه فى تلك القمة الإفريقية الاستثنائية، شكلًا وموضوعًا.